مصر في انتظار جني الثمار

ت + ت - الحجم الطبيعي

قابلت وزير خارجية إحدى الدول العربية في القاهرة، مساء الاثنين الماضي، ضمن مجموعة من الصحافيين والسفراء المصريين والعرب. الرجل تحدث في ملفات كثيرة عربية ودولية.لكن ما لفت نظري قوله إن حكومته تنظر إلى عملية الإصلاح الاقتصادي في مصر باعتبارها «نموذجاً يحتذى».

الوزير العربي ليس أول مسؤول غير مصري يشيد بتجربة الإصلاح الاقتصادي في مصر، فقد سبقه الكثير من مسؤولي مؤسسات التمويل والتقييم الدولية، خصوصاً صندوق النقد والبنك الدوليين، و«فيتش» و«موديز»، إضافة إلى بعض وسائل الإعلام الاقتصادية الدولية المتخصصة.

لكن المفارقة أن هذا التقييم الدولي لم يصل حتى الآن بصورة كاملة لغالبية المصريين. فكيف يمكن فك طلاسم هذا اللغز المحير؟!

المؤسسات الدولية محقة تماماً في إشاداتها بعملية الإصلاح الاقتصادي، لأن هناك تحسّناً واضحاً في المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري، ليس فقط منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية عام 2014، ولكن منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، والتي كانت تاريخاً فارقاً بالنسبة للاقتصاد المصري.

اليوم الفاصل في عملية الإصلاح الاقتصادي المصري هو 3 نوفمبر 2016، حينما تم اتخاذ قرار تعويم الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، أي تحرير سعره عبر العرض والطلب، وليس بتدخل الحكومة والبنك المركزي لدعمه، بما لا يعكس قيمته الحقيقية.

هذا القرار كان هو الدواء «المر» لأن سعر الدولار قبلها كان يساوي رسمياً حوالي ثمانية جنيهات، وبعد التعويم قفز بصورة ليلامس العشرين جنيهاً.

هو دواء «مر»، لكن لم يكن هناك بديل فعلي حتى يمكن علاج الاقتصاد المصري من الأمراض المزمنة، التي كان يعاني منها. وطبياً فإن أي دواء له أعراض جانبية. وفي الحالة المصرية فإن دخول ورواتب المصريين المقومة بالجنيه، انخفضت بنسبة انخفاض الجنيه نفسها، والثمن الأكبر تحمّله الموظفون، أو كل من يعتمد على مرتب ثابت بالعملة الوطنية.

قبل التعويم كان العجز التجاري في الموازنة العامة كبيراً، خصوصاً بفعل الدعم الذي كانت تقدمه الدولة لأسعار الوقود ولبعض السلع التموينية الأساسية ورغيف الخبز. وبعد التعويم، انخفض هذا الدعم بصورة كبيرة وبدأت العديد من الوزارات تتقشف، وزادت الصادرات إلى حد كبير، وقلت نسبة الواردات.

وخلال هذا الأسبوع، وللمرة الأولى منذ عام 2007 ينخفض التضخم السنوي المسجل في شهر أغسطس الماضي ليصل إلى 6.7%. ومن بين المؤشرات الكلية التي تحسنت أيضاً ارتفاع الاحتياطي النقدي في البنك المركزي لأكثر من 45 مليار دولار، بعد أن كان قد هبط إلى حوالي 15 مليار دولار بفعل التوقف الفعلي للإنتاج.

ومن المؤشرات أيضاً، قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة قبل حوالي أسبوعين بنسبة 1.5%، وهي خطوة إيجابية، لتقليل أعباء خدمة الدين العام، وتشجيع الاستثمار خصوصاً في الصناعات التحويلية والصادرات.

أيضاً، وجود فائض أولي في الموازنة العامة للدولة لأول مرة منذ سنوات طويلة، كما أن الاستثمارات الأجنبية خصوصاً بقطاع الطاقة وصلت لمعدلات كبيرة، وصارت مصر تكتفي ذاتياً من الغاز الطبيعي، وسددت حصص الشركاء الأجانب التي تراكمت لسنوات. كما أن البطالة تراجعت إلى حوالي 8% طبقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

لكن في الجانب الآخر فإن هناك عوامل سلبية، أهمها ارتفاع حجم المديونية، حيث بلغ الدين المحلي أكثر من 4.4 تريليونات جنيه، في حين قفز الدين الخارجي قبل أيام قليلة إلى 106 مليارات دولار، طبقاً لبيانات البنك المركزي المصري.

السؤال: إذا كانت تلك هي المؤشرات الإيجابية بشهادة المؤسسات الدولية وبعض الدول الخارجية، فلماذا لم يصل هذا الشعور بالتحسّن إلى غالبية المواطنين؟!

الإجابة ببساطة لأن تحسّن المؤشرات الكلية يعني بدء تعافي الموازنة العامة للدولة، واتباع سياسة تقشّف، وبدء بيع السلع والخدمات بأسعارها الحقيقية، خصوصاً الوقود والكهرباء والغاز والمياه، وهذا الأمر يقود بصورة مباشرة إلى ارتفاع أسعار غالبية السلع والخدمات، وبالتالي يشعر المواطنون بالأعباء الكثيرة.

يكرر الرئيس عبد الفتاح السيسي دائماً إن البطل الحقيقي في عملية الإصلاح الاقتصادي هو الشعب المصري، الذي تحمل ثمناً كبيراً لهذا الإصلاح. وتقول الحكومة المصرية، إن المواطنين سوف يبدأون خلال سنوات قليلة في جني ثمار هذا الإصلاح الذي كان يشبه «القدر المحتوم». ويرد المواطنون بأنهم في انتظار جني هذه الثمار.

* رئيس تحرير جريدة «الشروق» المصرية

 

Email