عودة الشعبوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثارت موجة الصعود السياسي للحركات الشعبوية في أوروبا وأمريكا العديد من المخاوف لدى الكثيرين من المتمسكين بالديمقراطية والنظام العالمي المفتوح خصوصاً أن لنا تجربة سابقة مع الحركات اليمينية والتي أوصلت العالم إلى حروب عالمية وضحايا وخسائر بالملايين.

صعد هتلر في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا إلى السلطة عبر التركيز على الخطاب الشعبوي القائم على نبذ الآخرين والعنصرية تجاه الوطنية، والجميع يعلم أن هتلر أوجد في الشعب الألماني العنصرية للشعب الجرماني على حساب الكثير من الشعوب المحيطة، وأيضاً على حساب شعوب وفئات وأقليات كانت تتشارك الشعب الجرماني الأرض التي يعيشون عليه.

، وبسبب هذه العنصرية استطاع هتلر أن يبني إمبراطورية مخيفة غزت أوروبا وروسيا، والأمر ذاته فعله موسوليني في إيطاليا، فالأحزاب أو الحركات الشعبوية تتسلق للوصول للسلطة بإثارة عنصرية الشعب تجاه جنسه ووطنه بطريقة تجعل منه عدائياً ونابذاً للآخر ليصلوا في النهاية لجنون العظمة التي تجعلهم يريدون إبادة من حولهم ليعيشوا هم وحدهم في هذه الأرض.

الشعبويون يروجون النزعة القومية والدفاع عن الهوية الوطنية، ويركزون على سياسات الدفاع وقوة الجيوش، وقد بدأت هذه الأمور في الظهور مجدداً في أوروبا وروسيا وحتى في أمريكا، ومثال على ذلك جمعية «بيغيدا» وهي حركة سياسية ألمانية توصف في وسائل الإعلام بالتطرف وأعضاؤها وطنيون أوروبيون ينادون بوجوب التصدي لأسلمة الغرب.

قد يقول قائل ولماذا كل هذه المخاوف من صعود اليمين السياسي وظهور الشعبوية من جديد؟ فمن حق الشعوب أن تفتخر وتتفاخر بأوطانها، وهذا صحيح ولكن من يعلم أن العالم ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وهو يبني دول العالم على الديمقراطية وسياسة الانفتاح، بعد أن فشلت الشعبوية وأودت بالعالم لحروب طاحنة.

وصحيح أن الوضع قد تغير كثيراً خصوصاً مع زيادة الوعي الجمعي في العالم بمخاطر الشعبوية، إلا أن مثل هذه المتغيرات تشكل خطراً حقيقياً على الوجود البشري، فمن دون التسامح مع الآخر والابتعاد عن العنصرية بمختلف أشكالها ومنابتها وأصولها وسياساتها وأحزابها، سنعود للحروب الطاحنة مرة أخرى، وسيظهر لنا مليون هتلر ومليون موسوليني.

إن كانت الشعبوية تجتاح العالم فأين نحن كعرب ومسلمين من هذه الحركات، والحقيقة تقول إن الكثير من الحركات الشعبوية في أوروبا هدفها الوقوف في وجه الإسلام والمسلمين وعدم السماح لهم بالانتشار في أوروبا خصوصاً عن طريق إغلاق الأبواب أمام المهاجرين والنازحين، وللأسف هناك الكثير منهم قادمون من أقطارنا العربية والإسلامية، فلهذا كلما صعدت الأحزاب الشعبوية كلما اتسعت دائرة العدائية تجاه العرب والمسلمين، ولِنكن واضحين ربما لا تجد هذه العدائية بين الشعوب لكن ستجدها واضحة وصريحة بين السياسيين والحكام والتي سينقلونها إلى شعوبها يوماً بعد يوم.

الإسلام السياسي للأسف زاد من حدة الاحتقان، والكثير من الحركات الشعبوية جاءت كردة فعل أو ما يعرف «بالإسلاموفوبيا» خصوصاً بعد انتشار الإرهاب والعمليات الإرهابية من عناصر تنظيم داعش، ولهذا يجب القضاء على مثل هذه الاحتقانات ببحث المزيد من الفرص لنشر مفاهيم التسامح والتعايش بين الشعوب، فكل خطاب شعبوي عنصري سيؤول في النهاية لحروب دامية، فلا يوجد أخطر من إنسان يرى أن هذه الأرض ملكه لوحده، ولا يريد أن يتعايش مع غيره عليها.

الفرص لتسوية هذه الاحتقانات موجودة حتى وإن كانت غير واضحة المعالم، إلا أنها موجودة وبإمكاننا البحث عنها، والجيد في الأمر أن شعوبنا العربية أصبحت مدركة أن التعايش سواء داخلياً أم خارجياً هو الطريق الأسلم لحفظ الأمن والتصدي لمحاولات التخريب مهما كان مصدرها، ولدينا في ديننا الإسلامي الكثير من الدعوات التي تدعو لاحترام الآخر والتعايش معه بسلام، وهذا ما علينا تصديره للعالم الخارجي كردة فعل استباقية، قبل أن تصل لنا أفكار الشعبويين المتطرفة.

وأيضاً علينا القضاء على التوجهات الشعبوية في عالمنا العربي، خصوصاً الحركات التي من شأنها تعميق الخلاف العربي العربي والعربي الغربي، فلن يطالنا من هذه الخلافات إلا دمار الكثير من الأوطان والمزيد من الضحايا وتجاربنا التاريخية كافية بأن تثبت صحة هذه الافتراضات.

 

 

Email