انشغال كبار القياديين بالصغائر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحد الفوارق الجوهرية بين القائد والمدير تكمن في أن الأول لا يجب أن ينشغل بصغائر الأمور الإدارية. فَلَو أن كل قائد طائرة انشغل بوظيفة مدير طاقم الضيافة وتابع توفير وجبات الطعام، والنظافة، وطلبات الركاب لم يجد وقتاً لقيادة الطائرة بمهنية، ولن يستطع أصلاً القبطان أن يصل بالسفينة إلى بر الأمان. لذا فإن كثيراً ما يقع القادة الجدد، بشهورهم الأولى، في مشكلة الانشغال بالتفاصيل ثم سرعان ما يتراجعون لضيق الوقت ولاستحالة فعل ذلك مع المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقهم. وانشغال كبار القادة بيوميات المديرين لا يستقيم مع متطلبات القائد الذي يجب أن ينظر للصورة الكلية، ويتخذ قرارات مصيرية مدروسة، ويوازن بين أهداف المؤسسة وتوجيهات مجلس الإدارة أو مجلس الوزراء وبين مجريات أحداث العاملين معه من مديرين ومرؤوسين.

ولذا فإن أبرز علامة على انشغال القائد بالتفاصيل عدم تفويضه للمديرين أو المساعدين. هنا يحدث إحباط متراكم بين المديرين في شتى المواقع بسبب تكرار تدخلات القياديين بتفاصيلهم اليومية من ناحية وعدم حصولهم على حقهم الطبيعي في ممارسات صلاحيات ذات نطاق أوسع. وينسى القائد الذي لا يفوض صلاحيات لمساعديه بأنه لا يوسع نطاق خبراتهم بهذه الطريقة. بل يجعلهم أسرى لتجارب محدودة لا تمكنهم من اكتشاف قدراتهم الكامنة. فمهما كانت نظرتنا للمديرين أو توقعاتنا بشأن قدراتهم فإننا لن نكتشف حقيقة القيمة المضافة لهم إلا بعد تجربتهم في ميدان العمل. ويحدث هذا بمنحهم فرصة الانشغال بتفاصيل العمل الإداري اليومي، وتخفيض سقف توقعاتنا بشأن نتائج عملهم، فمع مرور الوقت والملاحظات سيتفهمون توجهاتنا. هكذا يرفع المديرون وطأة التفاصيل المرهقة عن كاهل القادة في كل مكان.

والمديرون الذين يشعرون بأن قائدهم «لا يثق بهم» أو يمارس المركزية معهم، قد يصبحون هم القشة التي قصمت ظهر البعير. إذ سيقفون ضده «خفية» عند أول خطأ يقع فيه ليكشفوه أمام الإدارة أو السلطة العليا. وربما يصبحون هم الطابور الخامس بترويج إشاعات عنه باعتباره القيادي الذي يريد أن يفعل كل شيء بنفسه. والسبب أن انشغاله بصغائر الأمور وحرمانه جيوش الموظفين تحته من القيام بذلك سيفضي إلى المزيد من النفور منه، وربما لا يشاطرونه رؤاه وأفكاره ومقترحاته.

هناك مبدأ بسيط في العمل الجماعي، وهو أنك حينما تكون جزءاً ممن اتخذوا القرار ستكون أول المدافعين عنه بكشف الحقائق للمتربصين للمشروع. وإذا تم إقصاؤك من المشاركة ربما تميل إلى الانضمام إلى جوقة الشامتين أو المشككين في المشروع أو القرار. ومن هذا المنطلق يدفع العمل الإداري الناس دائماً نحو العمل الجماعي، ولا يحبذ انفراد فرد بالأعمال والقرارات، خصوصاً إذا كانت صغائر إدارية ليست من اختصاص القياديين. ولذلك فإن من أبجديات العمل الإداري، التأكيد على ضرورة أن يلتزم كل فرد بوصفه الوظيفي job description وهو قائمة المهام المطلوبة والمتوقعة من العاملين بكل المستويات حتى لا تتداخل الاختصاصات. وإذا ما جلس المسؤول ومرؤوسه في نهاية العام لتقييم الأداء صار بإمكانه توجيه أصابع النقد بناء نحو مدى إنجاز أو التزام الموظف بوصفه الوظيفي.

ومن الحيل الذكية أو «الخبيثة» التي يلجأ إليها القياديون، أن يتجنب الدخول في التفاصيل بصورة مبالغ فيها ويفوض بها المديرين، فإذا ما أخفق من لا يراه أصلاً أهلاً لمنصبه اقتنص تلك الفرصة لنقده بصورة لاذعة حتى يراكم عليه جملة من الأخطاء التي تستدعي تدويره أو توبيخه، أو لا قدر الله فصله من العمل.

* كاتب كويتي

Email