على أجنحة جلال الدين الرومي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتساءل توني ماك آدمز استاذ القانون والإدارة الأمريكي في كتابه «في القانون والبزنس والمجتمع»: هل تملك أمريكا حياة ثقافية راقية؟ ويجيب: لعقود ونحن نخشى اختفاء الثقافة الرفيعة والموسيقى الكلاسيكية والأوبرا والباليه أمام هجمة موسيقى الروك والتلفزيون والكتب الهزلية، ويبدو أن المعركة انتهت لصالحها. وامتدت ظاهرة الثقافة الشعبية على معظم أنحاء العالم ومنها عالمنا العربي

فالاستماع إلى محمد عبد الوهاب يغني من كلمات أحمد شوقي «مُضناك جفاهُ مَرْقَدُه /‏‏ وبكاه ورَحَّمَ عُوَّدُهُ /‏‏ حيرانُ القلبِ مُعَذَّبُهُ /‏‏ مقروح الجفنِ مسهَّدُه»، أو إلى فيروز تغني يا جارة الوادي، غير الاستماع إلى أغنيات مثل: أنا من غيري أنا /‏‏‏‏‏‏رقصني أنا /‏‏‏‏‏‏ دلعني أنا وتوتا توتا شطبنا خلاص الحدوتة!

الحداثة ليست السخافة، والتحديث ليس التسطيح. الشعبوية أن يرتقي الإبداع بذوق المتلقي لا أن يهبط به إلى مستوى الخصر وما دون. الأغاني يجب أن تغنى بطبقات الصوت لا بطبقات الفساتين التي بلا طبقة واحدة..

العالم معظمه ينحدر إلى الغابة. حروب وحبوب مخدرة وجرائم قتل وسرقات وفساد واحتلال. تفسخ مجتمعي وانحلال أخلاقي وتدهور صحي. الأطفال أمهاتهم مربيات، والأمهات «مش فاضيات». الصبية ملعبهم شاشة الآيباد والبليستيشن، عظامهم تضمر وعقولهم تحلق في الخيال. لا رماية ولا سباحة ولا ركوب الخيل.

لكن، ثمة أمل. الكلمات الرقيقة التي تحمل معاني عميقة تبقى خالدة رغم ضجيج الدي جيه والموسيقى الصاخبة التي تذهب بالعقل لا ترسخ فيه.

قبل عشر سنوات كنت حين تسأل عن الشاعر الأكثر شعبية في الولايات المتحدة، كان الجواب الشاعر جلال الدين الرومي، وذلك في مؤشر على اهتمام الأمريكيين بهذا الشاعر. وكانت منظمة اليونسكو قد خصصت العام 2007 عاماً دولياً للاحتفال بالمئوية الثامنة لميلاد الرومي.

جلال الدين الرومي هو الذي جعل لورا بوش تضع كتابه في صورتها وهي تحتفل بفوز زوجها بفترة رئاسية ثانية؟ وهو الذي دفع مادونا لكي تغني له، «تعلم كيف تقول وداعاً».

لماذا يجتاح الناي معظم المقطوعات الموسيقية وهو الذي اختصه بمقدمة يحكي فيها الناي كيف أصبح يعاني من آلام الفراق منذ أن كان غصناً وقطع من الغابة والناس يبكون لحزنه.

العالم يبحث عن نغمة السكون، عن شيء يرفع تناقض الأوضاع أو وتريات يهتز لها القلب من خلال التزاوج بين الترانيم الشرقية والتصوف المسيحي والإسلامي والإيقاعات الغربية الإلكترونية.

لقد ترك لنا جلال الدين الرومي الكثير من الحكمة والبصيرة من خلال حكمه الجميلة والقوية التي تنطبق بالقدر نفسه على عالم اليوم، كما فعلت في القرن الـ13. إنه شاعر وداعية إسلامي، وقدم لنا منظوراً فريداً عن الكون والحياة يمكننا جميعاً أن نستلهم منه معاني السلام النفسي والتصالح مع الذات.

لقد قدم الرومي للبشرية دروساً خالدة. فهو الذي قال:

«لقد ولدت مع إمكانات. وقد ولدت مع خير وثقة في داخلك. لقد ولدت مع مُثل وأحلام. وقد ولدت مع العظمة. لقد ولدت بأجنحة. لا يفترض بك الزحف، لذلك لا تفعله. لديك أجنحة، تعلم كيفية استخدامها وحلق»، «لا تتجنب خوض التجارب الصعبة.. فهي معلم رائع»، «الجرح هو المكان الذي يوجد فيه الضوء الذي يدخل إلى أعماقك»، «لا تلتفت بعيداً.

حافظ على بصرك على مكان جرحك. هناك حيث يدخل الضوء إليك»، «لا تحزن. فأي شيء تفقده يأتي في شكل آخر»، «بالأمس كنتُ ذكيًاً، لذلك أردت تغيير العالم. اليوم أنا حكيم، لذلك أريد التغيير من نفسي».

عالم اليوم فعلاً يتغير للأسف إلى الأسوأ! لكن كما تغني فيروز «ايه في أمل، أوقات بيطلع من ملل، أوقات من شي حنين».

* كاتب أردني

 

Email