عن أي زمن يتحدثون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقرأ لبعضهم، وأستمع وأشاهد بعضهم الآخر. يتحدث البعض منهم للصحف والإذاعات وقنوات التلفزيون، بينما يعبر أغلبهم عن مشاعرهم في وسائط التواصل الاجتماعي الأكثر استقطاباً لهذه الفئة السنّية من فئات المجتمع في عصرنا هذا. محور حديثهم هو الزمن الجميل الذي يفتقدونه؛ كيف كانوا يستعدون للعيد، وكيف كانوا يستقبلونه، وكيف كانوا يحتفلون به. أشعر بالشجن في حديثهم لانحسار ذلك الزمن، وافتقادهم الإحساس الجميل الذي لم يعودوا يشعرون به في العيد الآن. أنظر إلى صورهم، إنهم فتية وفتيات في العشرينيات من أعمارهم! بعضهم ربما عاش مرحلة الطفولة على مشارف الألفية الثالثة أو في بدايتها! أستغرب عن أي زمن جميل مضى وما عاد الرجوع إليه ممكناً يتحدثون. لا يمكن أن يكون الزمن قد استحال إلى كل هذه القباحة في عقدين أو أقل من الزمان.

لو كان هؤلاء الذين تمتليء نفوسهم حنيناً إلى الزمن الغابر من جيل الستينيات أو السبعينيات، أو حتى الثمانينيات على الأقل، لوجدت لهم العذر كي يبكوا على ذلك الزمن بدافع الحنين إلى الماضي. وهو شعور طبيعي يخالج الإنسان بعد أن يكون قد استنفد الرصيد الأكبر من سنوات عمره، وباعد بينه وبين أيام الطفولة والصبا والشباب ركام سنوات العمر بأحداثها الحلوة والمرة. لكنهم جيل يخطو خطواته الأولى نحو المستقبل، لم ير من الحياة غالباً سوى وجهها الجميل فقط، ولم يقلب له الزمن حتى الآن ظهر المجن. فعن أي زمن يتحدثون، وعلى أي جمال قد استحال إلى قبح يتحسرون؟!

أحاول أن أجد لهم بعض العذر فأفترض أنهم من هواة مشاهدة أفلام الأبيض والأسود القديمة، تلك التي يبدو كل شيء فيها جميلاً، والحياة فيها سهلة، والنهايات فيها سعيدة، وعادة ما تنتهي بزواج بطل الفيلم من فتاة أحلامه واقتران البطلة بفتى أحلامها، بعد أن يتغلبا على العوائق البسيطة المفتعلة التي تعترض تحقيق رغبتهما. لكنني أكاد أجزم بأنهم لا يشاهدون هذه الأفلام، وربما لا يعرفون أسماء أبطالها، لأنهم من جيل «نتفلكس» وأفلام الخيال العلمي والأكشن والموجات الحديثة من السينما الغربية، تلك التي لا تعترف بالرومانسية والنهايات السعيدة التي اعتدنا رؤيتها في الأفلام العربية والهندية القديمة.

أرثي لحال أبناء اليوم الذين لا يعرفون إحساس الفرح بالملابس الجديدة والأحذية التي لم تكن تتبدل إلا في الأعياد، حيث يتم تفصيل الملابس وشراء الأحذية في الأعياد فقط، وأتساءل إن كانت الملابس الجديدة والأحذية المتنوعة من مختلف «الماركات» المعروفة، المتوفرة في خزائنهم طوال العام، قد سلبتهم لذة الفرح هذه، تماماً مثلما أفسدت عليهم الألعاب الكثيرة التي بين أيديهم لذة الإحساس بألعاب العيد التي لم تكن تتوفر لأطفال الأمس إلا في الأعياد، ومثلما أفسد عليهم توفر المال في أيديهم متعة الإحساس بقيمة العيدية البسيطة التي كان أطفال الزمن الجميل يحصلون عليها مرتين في العام. أرثي لحال هؤلاء الأبناء، وأتساءل: تُرى هل سيبكون أيضاً بعد عقد أو عقدين من الزمان على هذا الزمن الذي يعيشونه الآن، ويتمنون عودته كي يعيشوه من جديد، مثلما يفعل أطفال الأمس اليوم؟

يبدو أن المسألة ليست مسألة زمن جميل وآخر قبيح، وإنما هي مسألة افتقاد البراءة كلما تقدم العمر بالإنسان، حتى لو كانت هذه السنوات قليلة، من غير المنطقي أن تستحيل الأحوال خلالها من الجمال إلى القبح، ويتبدل الإحساس خلالها من الفرح إلى ضده. ربما يكون هذا هو سر الشجن الذي نلاحظه في حديث هؤلاء الشباب الذين يتحدثون عن زمنهم الجميل الذي ولّى، ويتمنون عودته، رغم أنهم في مقتبل العمر، يجتازون بالكاد عتبة العقد الثالث من أعمارهم، ومع هذا يشعرون بعبء الأحمال التي تثقل كواهلهم، فهل هي ضريبة المدنية والتقدم التكنولوجي الذي جعل الأوقات تفقد أبعادها الزمنية، وحولها إلى صواريخ عابرة للأوقات لا نستطيع الإمساك حتى بالدخان الذي تخلفه وراءها وهي تخترق حاجز العمر؟

* كاتب إماراتي

Email