العيش مع الاحتباس الحراري

ت + ت - الحجم الطبيعي

من عاش سبعة عقود مثلي لابد وأنه عاصر مع آلة الزمن التأثيرات المختلفة لحالة «الاحتباس الحراري» التي تعيشها الكرة الأرضية؛ الوطن السماوي الذي نعرفه.

في الطفولة التي عشناها في مصر عرفنا كيف يكون الشتاء برداً ومطراً، وكيف يكون الصيف حاراً ومقبولاً ومنعشاً إذا ما واكبته إجازة على السواحل التي غالباً ما كانت الإسكندرية. كان الدرس في صفوف الجغرافيا أن مناخ مصر «حار جاف صيفاً، دفئ ممطر شتاءً».

كان ذلك مقبولاً لدينا، وممتعاً بدرجة أو بأخرى، بل وكان مصدراً للدخل لأن السياحة إلى المحروسة تضمنت في قائمة مغرياتها ضمانات عن حالة للطقس مغرية ولذيذة. لا أدري كيف كانت هذه الأوقات في منطقة الخليج التي عشت فيها في مطلع التسعينيات، وزرتها كثيراً فيما تلى من عقود؛ ولكن ذلك حدث بعد أن بات الحديث عن «الاحتباس الحراري» جزءاً من الخطاب العالمي.

القصة وما فيها أن الشمس كانت هي المصدر الأساسي للحرارة على كوكب الأرض، وفي أقوال أخرى أنها هي المصدر الوحيد، ولم تكن هناك مصادفة أن الإنسان عبد الشمس قبل نزول الديانات السماوية. هي مصدر الحرارة والكربون في المكونات العضوية، وهي من ثم مصدر الطاقة التي بعد ذلك قيل عنها إنها «أحفورية» مثل النفط والغاز وكل ما انطمر تحت سطح الأرض وتعرض للضغط والحرارة فصار طاقة. وهو طاقة إذا ما استخدمناها في صورتها الأصلية، وجرى تعبئتها في خلايا تدير السخانات وأجهزة التكييف، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة توجد مدينة كاملة تدار بالطاقة الشمسية.

إذا كان ذلك هو الحقيقة منذ فجر الخليقة فإن الإنسان بات هو الآخر مصدراً للحرارة والاستخدامات المختلفة للمواد الكربونية في وسائل النقل والمصانع أخلت بغلاف الكرة الأرضية فكان ثقب في الأوزون المحيط بها، ومن الثقب نفذ المزيد من أشعة الشمس، وكلاهما خلق حالة «الاحتباس الحراري» التي بدورها أخلت بأدوات التبريد الموجودة في الكوكب عند قطبيه الشمالي والجنوبي.

الصيف الحالي كما كان الحال في فصول الصيف المختلفة تواردت الصور التي تشهد على انهيارات الكتل الثلجية وتحولها إلى ماء يرفع مستوى المياه في البحار والمحيطات. روسيا وجدت في الأمر فرصة لكي تبحث عن ممر مائي عبر القطب الشمالي تنفذ منه السفن من الشرق إلى الغرب منافسة في ذلك لقناة السويس.

في الساحل الشمالي المصري تسللت مياه البحر المالحة إلى الدلتا المصرية لكي تخنق النبات؛ وفي دولة تشاد جف ٩٠٪ من بحيرة تشاد، وفي دول العالم المختلفة ظهر هذا الاحتباس في تقلبات كبرى لحالة الطقس في البرودة والحرارة، وفي الأعاصير .

وفي حالات من «التسونامي» أضاعت مساحات من إندونيسيا وفوكوشيما في اليابان. المشاهدات على مستوى العالم تقول إن ما يجري حالياً في مناخ الكون يجعله ليس كما كان، ومن ثم كانت اتفاقية باريس لكي تتعاون دول العالم من أجل تقليل حرارة الأرض بدرجات تعيدها إلى ما كانت عليه، ولم يكن ذلك ليحدث لولا اتفاق الصين والولايات المتحدة، وكلاهما أكثر دول العالم استخداماً للطاقة التي تهدد كوكب الأرض.

تاريخياً كانت الصين من المعترضين على ما يقال عن «الاحتباس الحراري» ولكنها وافقت ووقعت على الاتفاقية.

والآن فإن أمريكا بقيادة ترامب كانت هي التي خرجت من الاتفاقية. النظرية هنا هي أن التقلبات الحرارية من الأمور التي عرفها الكوكب طوال تاريخه الذي عرف عهوداً «ثلجية» وعهوداً أخرى كانت حرارتها كافية لتجفيف الأنهار (منها نهر في صحراء مصر الغربية كان موازياً للنيل) والبحيرات، ودفع الناس للهجرة، وربما كان ذلك هو ما يجري حالياً ويدفع الناس من الجنوب إلى الشمال في المكسيك كما هو حادث في أفريقيا. أياً كانت مواقف القوى الصناعية الكبرى فإن أياً منها لا ينهي المعضلة التي يواجهها الإنسان، فماذا تفعل الإنسانية يا ترى؟

 

 

Email