القانون للجميع

أسباب الإباحة وتجاوز حدودها (2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

كما سبق وأوضحنا في المقال السابق فإن بعض الأفعال قد تقع أحياناً بنيةٍ سليمةٍ، استعمالاً لحقٍ مقررٍ بموجب أحكام الشريعة الإسلامية أو بموجب القانون، وقد اعتبر القانون تلك الأفعال مباحةً ومشروعةً متى ما وقعت في نطاق ذلك الحق المشار إليه.

وقد شرحنا أول أسباب الإباحة، وهو استعمال الحق. ونَدلف اليوم للحديث عن السبب الثاني من أسباب الإباحة وهو أداء الواجب.

المبدأ العام هو أن كل فعل يرتكب تنفيذاً لواجب تأمر به الشريعة أو القانون يعتبر مشروعاً حتى ولو كان في الأصل خاضعًا للتجريم وأن أساس الإباحة في هذه الحالة هو أمر الشرع أو القانون إذ عن طريقهما يتحول الفعل المجرم إلى فعل مباح، وإعمالاً لذلك المبدأ فقد نصت المادة (54) من قانون العقوبات الاتحادي على أنه: (لا جريمة إذا وقع الفعل قياماً بواجب تأمر به الشريعة الإسلامية أو القانون، إذا كان من وقع منه الفعل مخولاً بذلك قانوناً) والمشرع هنا وضع مبدأً عاماً يبيح كل الأفعال التي تتم، إلا أن المشرع في المادة (55) خص بالذكر الأفعال التي تصدر من الموظف العام أو الشخص المكلف بالخدمة العامة وأعتبر أنها لا تعد جريمة في حالتين: أولهما أن يكون الفعل قد ارتكب تنفيذاً لأمر صادر من رئيس مخول قانوناً بإصداره وطاعة هذا الرئيس واجبة على الموظف المرؤوس والحالة الثانية أن يكون الفعل قد ارتكب بحسن نية تنفيذاً لما أمرت به القوانين، وتتفق الحالتان في أن الموظف والمكلف بخدمة عامة، كلاهما يقومان بواجب، ولكن يكمن الاختلاف في أن كلاً منهما في الحالة الثانية يتحمل مسؤولية العمل شخصياً، بينما الوضع في الحالة الأولى أنهما ينفذان أمراً يتحمل آخر مسؤوليته، وفي كلتا الحالتين يجب أن يكون العمل قانونياً.

بالنسبة للحالة الأولى وهي حالة ارتكاب الفعل تنفيذاً لأمر الرئيس، فإن الأمر، حتى يستوجب على المرؤوس طاعته، يجب أن يكون صادراً وفقاً للقانون سواءً من حيث الموضوع أو الاختصاص بإصداره، وإلا فإنه لا يدخل في مفهوم المادة ولا يخضع بالتالي لحكمها، أما بالنسبة للحالة الثانية ونعني بها حالة ارتكاب الفعل تنفيذاً للقانون فإن الموظف أو المكلف بخدمة عامة قد قام بواجبٍ مفروضٍ عليه قانونياً ولم يخرج بالتالي عن حدود واجبه، فإن أخطأ في فهم واجبه أو معرفة حدوده، فإن الفعل يخرج عن مفهوم المادة، وفي كلتا الحالتين، لا يعتبر العمل المرتكب جريمةً، إذ إن أمر القانون يجعله مباحاً ولا تترتب عليه أية مسؤولية جنائية كانت أو مدنية، ويبدو أن المشرع رأى توفير شيء من الطمأنينة للموظفين أثناء قيامهم بأعمالهم بإعفائهم من المسؤولية الجنائية، بيد أنه قيد ذلك الإعفاء بضرورة توافر حسن النية، ويقصد بها أن لا يكون منفذ الأوامر يخفي قصداً سيئاً تحت ستار تنفيذ القانون في الظاهر، ويستلزم من الموظف في جميع الأحوال الاعتقاد بمشروعية الفعل الذي يقوم بعمله وضرورة توافر حسن النية وهو الأمر الذي يستقل بتقديرهِ قاضي الموضوع من خلال الوقائع والقرائن لكونه أمراً باطنياً لا يتم البوح به عادةً ولكنه يستشف من خلال سماع الدعوى وما تحتويه أوراقها من بيانات، سواء كانت شهادات للشهود أو بيانات مستندية أو قرائن أحوال تكشف المخبأ في الصدور من نوايا ومقاصد.

Email