أربع من النساء جميعهن ينتمين إلى الحزب الديمقراطي وأعضاء في مجلس النواب ومن أصحاب البشرة السمراء: «أليكساندرا أوكازيو- كورتيز» من مدينة نيويورك، «إلهان أومر» عضو مجلس النواب عن ولاية مينيسوتا، «آيانا بريسلي» عن ولاية ماساشوستس، «رشيدة طالب» عن ولاية ميتشجان.

الاسم الشائع عنهن هو «الفريق» أو «العصابة» أو بالإنجليزية Squad يتحركن معاً، ويتحدثن معاً، ويعادون الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» معاً، ويطالبن بإقامة ادعاء الطرد من منصبه في مجلس النواب معاً؛ وانتقاداتهن للظلم وعدم المساواة ورفض السياسات التقليدية في الكونجرس الأمريكي يتم معاً.

موطنهن هو الجماعة التقدمية في الكونجرس الأمريكي (مجلس النواب + مجلس الشيوخ) والتي كان يقودها حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية ٢٠١٦ التي نقلت «ترامب» إلى البيت الأبيض كل من «بيرني سوندورز» و«إليزابيث وارين» عضوا مجلس الشيوخ.

هذه الجماعة تفككت الآن نظراً لقيام كل من سوندورز ووارين بالترشح في الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٠. انقسم المعسكر التقدمي بين الشيخين، سناً وسياسة، وعصفت بهما زعيمة الأربع «كورتيز» عندما ترشحت هي الأخرى، ونجحت في أولى المناظرات في هز عرش «جو بايدن» نائب الرئيس السابق، والمتصدر الديمقراطي في استطلاعات الرأي العام.

ما يجمع الجماعة ليس فقط اللون، ولا الحزب الديمقراطي، ولا رابطة المفاجأة التي جاءت بهن إلى مجلس النواب، وإنما نوع من الثورة واللغة الساخنة وشجاعة كبرى في منازلة رئيس الدولة، وأطول من فيها لساناً «دونالد ترامب».

هن لا يهتمن بقواعد اللعبة التي يهتم بها زعامة الحزب الديمقراطي، ومرشحيه الذين طال بهم العمر داخل دهاليز العاصمة واشنطن ومن ثم فإنهن يعلمن حدود التغيير الذي يودون القيام به، وهو حتى كبير بالمعايير الأمريكية.

الجماعة لا يوجد لديها مانع من فتح الملفات المغلقة مثل الجنس والعنصر واللون والنوع، ولأول مرة في التاريخ الأمريكي المعاصر جرى فتح الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي حتى جرى استدعاء اليمين «معاداة السامية» لوقف التقدم نحو الأجيال الأمريكية الشابة، وبالطبع مواجهة أكثر الموضوعات حساسية: المهاجرين واللاجئين والتأمين الصحي.

الأسبوع الماضي غرد الرئيس «ترامب» قائلاً إنه طالما كان الأربع «يكرهن» أمريكا إلى هذا الحد (كما يظهر في مواقفهن) فربما كان عليهن الرحيل إلى بلادهن.

الموقف دفع الديمقراطيين في الكونغرس لإصدار استنكار ورفض وإدانة لموقف الرئيس، حاز على الأغلبية؛ ولكن الجماعة ومناصريها طالبوا بإقامة الادعاء علي الرئيس لطرده من منصبه وفقاً للدستور الأمريكي الذي يعطي لمجلس النواب حق الادعاء والاتهام؛ بينما يكون لمجلس الشيوخ إصدار الحكم بأغلبية الثلثين لأن طرد الرئيس من البيت الأبيض قضية «فيدرالية» وليست «شعبية».

ذهبت الجماعة بعيداً هذه المرة، فهزموا هزيمة ساحقة، فلم يكن لا الجمهوريون، ولا الديمقراطيون، ولا أعضاء مجلس النواب أو الشيوخ على استعداد للإطاحة برئيس الدولة الذي يحتاج اتهامه إلى ما هو أكثر من تغريدة.

هل ذهبت الجماعة بعيداً أو أن الشباب بلغ بهن مبلغه فلم تكن هناك خبرة فصارت المغامرة مقامرة؟ ربما كان الحال كذلك، فالانقسام الذي يسببه الأربع لم يعد جارياً بين التقدميين والمحافظين، أو بين الجموع الليبرالية والرئيس ترامب، ولكنه بات أيضا داخل الحزب الديمقراطي نفسه الذي لا يتفق مع ترامب، ولكنه ليس على استعداد لقبول ما تراه الأغلبية الديمقراطية بزعامة «نانسي بيلوسي» حفاظاً على المؤسسات الأمريكية وقدرتها على تجاوز المحنة «الترامبية».

الهزة التي حققتها «الجماعة» الاسكواد خلقت حركة في الحياة السياسية الأمريكية؛ وعرضتها بصراحة لموضوعات لم تعرفها من قبل؛ ولكنها في النهاية خلقت ذعراً بين الأمريكيين من جرأتها وثوريتها.

والنتيجة كانت ارتفاع شعبية ترامب؛ وانقسام الحزب الديمقراطي، والتفاف «قاعدة» ترامب اليمينية المحافظة حوله، والتعصب لانتخابه الذي بات مشجعاً على الحكم باستمراره فترة ثانية. الأعضاء الأربع في الجماعة من الشباب ولديهن من الحماس والقدرة على البقاء في الساحة السياسية الأمريكية لفترة طويلة.