لعنة «الفلاشا» وتفكيك إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أن تسمع شعار «فلسطين حرة» و«الشهيد حبيب الله» و«الله أكبر» في القدس «الشرقية» ونابلس والخليل ورام الله وطولكرم غير أن تسمعها في حيفا ويافا وأم الفحم والناصرة. فالأولى تنطلق من حناجر جففها احتلال 1967، والثانية حاولت إسرائيل تجفيفها وأرسلتها تحت ستار الديمقراطية ولم تستطع بعد اثنين وسبعين عاماً من المرحلة الأولى من المشروع الصهيوني بإقامة «الوطن القومي لليهود» مكان الوطن القومي التاريخي للشعب الفلسطيني.

أما أن تسمع هذه الشعارات في قلب تل أبيب وخليج عكا وحيفا وعسقلان وبئر السبع من متظاهرين يهود، فإن الأمر مختلف تماماً ويرفع جزءاً كبيراً من الغطاء الذي غلف فيه آباء الحركة الصهيونية كذبة إسرائيل وجمعوا لها شعباً من دول مختلفة لا يربط بينهم لغة ولا تقاليد ولا تاريخ ولا عادات ولا بيئة ولا نشأة اجتماعية واحدة. كل ما يربط بينهم الدين الذي لم تزل طائفة كبيرة من اليهود «ناطوري كارتا» يعتبرون أن إنشاء دولة إسرائيل غضب من الرب ينذر بنهاية ساكنيها من اليهود.

كان مشهد اليهود الأثيوبيين «الفلاشا» وهم يغلقون الشارع الرئيسي في تل أبيب، يحرقون الإطارات وسيارات الشرطة، غاضبين محتجين على عنصرية إسرائيل ضدهم، مشهداً يوحي بأنه لفلسطينيين ابان الانتفاضات الأولى والثانية حتى أن المراقبين أسموها انتفاضة الفلاشا، الذين يبلغ عددهم 140 ألفاً ويشكلون 2% من السكان، وبعضهم أطلق عليها «الربيع العبري» للشبه بين السبب المباشر لغضب الفلاشا لمقتل شاب منهم «سالمون تيكا 19 عاماً» برصاص شرطي إسرائيلي وبين التونسي محمد بوعزيزي الذي فجر الشارع التونسي بإحراق نفسه إثر صفعة وجهتها له شرطية.

السبب الرئيسي لانتفاضة الفلاشا هو العنصرية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية ضد هؤلاء اليهود بسبب لونهم وهي العنصرية المتدرجة، كما أسماها المحلل الإسرائيلي جدعون ليفي في «هاآرتس» بقوله إن إطلاق النار على يهودي إثيوبي، عمل غير لائق؛ إطلاق النار على عربي إسرائيلي لائق أكثر؛ إطلاق النار على فلسطيني من المناطق المحتلة 1967 هو ذروة اللياقة الإسرائيلية.

توهم إسرائيل نفسها أن بإمكانها أن تكون عنصرية دورياً، أو عنيفة دورياً. تستطيع أن تدعم نوعاً معيناً من العنصرية وتتحفظ عن عنصرية أُخرى. مسموح إطلاق النار على شخص معين فقط بسبب جنسيته، وممنوع إطلاق النار على آخر بسبب لون بشرته فقط. التثاؤب أو حتى التصفيق، إزاء قتل متظاهرين فلسطينيين، والإحساس بالقليل من عدم الارتباك إزاء مقتل إثيوبيين من نفس العمر. لقد طورت إسرائيل لنفسها خريطة معايير تُظهر أن هناك نوعاً من العنصرية والعنف المسموح بهما وهناك نوع ممنوع.

محاولة إسرائيل السخيفة خلق جزر من الأخلاق والمساواة في بحر من العنصرية والعنف انفجرت في وجهها مرة أخرى. وهذه المرة من قبل إسرائيليين بالتبني اجتثوا من بلادهم العام 1984، ثم تواصلت فيما بعد عمليات تهجير الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل حيث هاجر أكثر من 20 ألفاً منهم في العام 1985 في عملية أطلق عليها اسم (عملية سبأ ) وذلك بفضل جورج بوش الأب نائب الرئيس الأمريكي وقتئذ، والذي زار الخرطوم من أجل طمأنة النميري وتأكيد الضمان الأمريكي لنجاح العملية ووافق النميري بشرط عدم توجه الطائرات الأمريكية التي ستنقل المهاجرين إلى تل أبيب مباشرة بل عبر مدينة أخرى. وعبر مطار مهجور( العزازا ) بشرق السودان بالقرب من مراكز تجمع الفلاشا، تمكنت المخابرات الأمريكية وعملاؤها من تنفيذ العملية، ونقلتهم الطائرات العسكرية الأمريكية مباشرة إلى مطار عسكري إسرائيلي في منطقة النقب.

وعدوهم باللبن والعسل فلم يجدوا سوى العنصرية والحنظل. أسكنوهم في مناطق محددة واستغلوهم في أعمال كنس الشوارع وتنظيف المكاتب وحراسة المؤسسات. وظل الإسرائيلي الأبيض ينظر إليهم نظرة دونية ما أدى إلى نقمتهم على الحكومات الإسرائيلية إلى أن حدث الانفجار الخطير الأسبوع الماضي.

ونقول خطير لأن الفسيفساء الإسرائيلية بدأت تتفكك فمن يدري أي قطعة ستسقط تالياً من هذه الفسيفساء. فما من دولة في العالم تأسست على كذبة «أرض بلا شعب» وتضم هذا الخليط الغريب العجيب من الأقوام والكم الهائل من التناقضات مثل ما هي «إسرائيل». والدولة التي لا تهزم من الخارج تُهزم من الداخل. والتاريخ شاهد.

 

ـــ كاتب أردني

Email