التمويلات الصديقة للبيئة فرصة لتحويل دفة التغير المناخي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير التغير المناخي والبيئة، أن الاستثمارات القائمة على مفهوم صداقة البيئة والحفاظ عليها، أداة مهمة للتعامل مع التغير المناخي، مشدداً على أن التمويل الأخضر الذي يقوم على الاستثمار في المنتجات المالية، التي تدعم الشركات والمشاريع الملتزمة بالحفاظ على الموارد الطبيعية، والمهتمة بتطبيق ممارسات الأعمال الصديقة للبيئة، أو إيجاد مصادر مبتكرة للطاقة المتجددة، أن يكون عنصراً حيوياً لإحداث التغيير المنشود.

وقال معاليه في مقال له تحت عنوان «التمويل الأخضر.. حماية البيئة وتنمية الاقتصاد العالمي»، تشهد أجندة الاقتصاد العالمي، صعوداً مستمراً لنماذج الأعمال الصديقة للبيئة، إذ تصبح تدريجياً إحدى التوجهات السائدة في الأسواق، وهو ما تعبّر عنه أحدث التقارير الصادرة عن مؤسسات الاستثمار الحكومية والخاصة، وشركات إدارة الأصول حول العالم، بحيث يصبح الاستثمار المستدام مكوّناً مستقبلياً أساسياً في مختلف أدوات الاستثمار ومشتقاته، وفيما بدأ العالم يدرك عواقب التغير المناخي، الذي يؤثر في الحياة على كوكبنا، وينعكس سلباً على المجتمعات الهشة وقطاعات الأعمال التقليدية فيها، ويلقي بظلال ثقيلة على مستقبل الأرض، فإن الوقت قد حان لحل عالمي، اقتصادي هذه المرة، لهذه المعضلة.

وأضاف معاليه: «وإذ تشير أبحاث دولية إلى أن عالمنا يحتاج إلى إنفاق ما يقدر بـ 300 إلى 400 مليار دولار سنوياً، للحفاظ على سلامة نظامنا البيئي العالمي، تقدر إحصائية حديثة لمبادرة تمويل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن التأخر في التعامل مع تحدي التغير المناخي، سيكلّف حوالي 1.2 تريليون دولار، تتكبّدها 30 ألفاً من كبرى الشركات العالمية خلال السنوات الـ 15 المقبلة، بفعل الظروف المناخية المتطرفة، أو السياسات التي تصبح أكثر صرامةً في مجال الانبعاثات».

وأكد أن تكلفة تجاهل التغير المناخي، ستفوق بمراحل تلك المطلوبة لإيجاد الحلول له، مهما كانت مرتفعة، لذلك كان من الضروري تعاون مختلف الأطراف والجهات الفاعلة في تخطيط وتنفيذ الحلول، وهنا يأتي دور التمويل الأخضر، إذ يمكن لهذا النوع من التمويل، الذي يقوم على الاستثمار في المنتجات المالية، التي تدعم الشركات والمشاريع الملتزمة بالحفاظ على الموارد الطبيعية، والمهتمة بتطبيق ممارسات الأعمال الصديقة للبيئة، أو إيجاد مصادر مبتكرة للطاقة المتجددة مثلاً، أن يكون عنصراً حيوياً لإحداث التغيير المنشود.

وقال معالي وزير التغير المناخي والبيئة: «إنه، ومع انطلاق «اجتماع أبوظبي التحضيري للقمة العالمية للمناخ 2019» بعد غد، والذي يضع الأجندة والتوصيات ومسودات مقررات القمة العالمية للمناخ، التي ستنعقد في نيويورك سبتمبر المقبل، سيكون التركيز على التخطيط الشامل، ووضع الحلول لهذا التحدي الأكبر، الذي يواجه عالمنا في الوقت الراهن، ومن هذه الحلول، استكشاف المصادر التمويلية المبتكرة، والتقنيات الجديدة الصديقة للبيئة، فضلاً عن تعزيز مستويات الشفافية في هذا المجال لدى الحكومات وقادة الأعمال والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية، ما يعزز القدرة على الوصول إلى هدف إبقاء معدل ارتفاع حرارة الكوكب دون مستوى 1.5 درجة مئوية، بحسب اتفاق باريس للمناخ».

وأوضح أن العقود الأخيرة في دولة الإمارات، شهدت جهوداً وخطى واضحة لتحقيق التنويع الاقتصادي، بعيداً عن الاعتماد على النفط، حيث تستحوذ مفاهيم الاستدامة والمبادرات الصديقة للبيئة، على أولوية في كافة الأجندات الوطنية، والبرامج الحكومية والبنى التحتية والخطط العمرانية لمدن المستقبل، فالحاجة إلى الاقتصاد الأخضر، أصبحت ضرورة ملحّة، للتعامل مع التغيرات الحاصلة في المناخ.

وأكد أن الاستثمارات القائمة على مفهوم صداقة البيئة والحفاظ عليها، أداة مهمة للتعامل مع التغير المناخي، وقد بدأت فعلياً تحقق زخماً عالمياً في السنوات القليلة الماضية، وفي هذا السياق، تشير إحدى دراسات الاستثمار المستدام، إلى أن 53 % من المستثمرين في دولة الإمارات العربية المتحدة، مهتمون بالاستثمار المستدام، وتخصيص ما معدله 31 % من استثماراتهم له، متقدمين على نظرائهم في سنغافورة وسويسرا والمملكة المتحدة، مشيراً إلى أن الاستثمارات الخضراء الصديقة للبيئة في دولة الإمارات، تستفيد من الدعم الذي توفره الحكومة والقيادة الرشيدة لهذا النوع من الاستثمار، حيث يتم تطوير منظومة السياسات والتشريعات بشكل مستمر، بما يشجع المستثمرين على تفعيل الفرص الكامنة للاستثمارات الخضراء والتمويل الأخضر.

ونوه بأن زيادة الاهتمام بالتمويل الأخضر الصديق للبيئة، وتسليط الضوء عليه، يشجع القطاع الخاص على الاستثمار في مجالات جديدة، مثل الطاقة المتجددة والإدارة المستدامة للمياه والبنى التحتية الخضراء، والتي تولد بدورها عوائد اقتصادية مضافة، وتدعم جهود التعامل مع التغير المناخي، وبالتبيعة يزداد الاهتمام بالتأثيرات البيئية للاستثمارات، بدلاً من التركيز بشكل حصري على العائدات، لتعود نماذج التمويل الأخضر بالنفع على الإنسان والكوكب، إلى جانب تحقيق الأرباح.

وتابع معاليه: «فمثلاً، تنص استراتيجية دبي للطاقة النظيفة، على إطلاق «صندوق دبي الأخضر»، بقيمة 100 مليون درهم، لتسهيل تقديم قروض ميسّرة منخفضة التكاليف للمستثمرين في مشاريع الاقتصاد الأخضر، ولتفعيل منافعه على مختلف المستويات، خاصة في مجال شراكات القطاعين الحكومي والخاص، كما التزم بنك أبوظبي الأول، أحد أكبر البنوك في الدولة، عام 2016، بإقراض واستثمار 10 مليارات دولار في مشاريع الطاقة النظيفة، خلال السنوات الـ 10 المقبلة، في حين حصلت «مصدر»، عملاق الطاقة المتجددة في أبوظبي، على تسهيلات ائتمانية خضراء من 4 بنوك محلية ودولية، لتمويل خيارات استثمارية مستدامة في قطاع التقنيات النظيفة، والمشاريع العقارية المستدامة».

وأضاف معاليه: «ويستمر تنويع نماذج التمويل الصديق للبيئة على مستوى العالم، مع إصدار صكوك خضراء جديدة، تتيح للمستثمرين الاستفادة من مشاريع مستدامة، وتمنح مصدريها تمويلات مدروسة لتنفيذ تلك المشاريع، وتمثل الصكوك الخضراء، حصة صغيرة قيمتها 167 مليار دولار من مجموع سوق الصكوك، الذي بلغ حجمه 100 تريليون دولار عام 2018، وهناك فرصة للتوسع في تلك الصكوك، وريادة دولة الإمارات في هذا المجال».

وقال: «لهذا الحجم من الفرص التي يخلقها الاستثمار الصديق للبيئة، يجب على السلطات التشريعية والتنظيمية في مختلف الدول، العمل على تذليل العقبات التي قد يواجهها المستثمرون في التمويلات الصديقة للبيئة، عبر وضع الأطر الناظمة والمتوافقة مع المعايير المعتمدة عالمياً، لحماية تلك الاستثمارات، ومواكبة نضوج هذا السوق الواعد».

وأوضح: «في دولة الإمارات، ولتعزيز توجه الاستثمار نحو المشاريع الخضراء، وخلق منظومة من التمويل لهذا النوع من المشاريع، طبقت الدولة نموذجاً قائماً على اعتمادها تنفيذ حزمة من المشاريع المستقبلية الخضراء، ومحطات الطاقة الشمسية، والبنى التحتية منخفضة الانبعاثات، والمواصلات النظيفة، بما يشكل عامل تحفيز وتشجيعاً قوياً لتوجيه رؤوس الأموال لهذا النوع من الاستثمار»، مؤكداً أن هذا النوع من الاستثمار، يعتمد في نجاحه وانتشاره - بحسب ما هو موجود حالياً - على العقول والقدرات الشابة، لذا، فإنه يمثل في حد ذاته بوابة جديدة لخلق المزيد من فرص العمل الإبداعية والابتكارية، التي تحقق غرضين مهمين، الأول يتمثل في تعزيز دور الشباب في خدمة المجتمع ورسم سياسات العمل المستقبلي، لمواجهة واحد من أهم التحديات التي تواجهها البشرية، والثاني في دفع هذه الفئة المؤثرة من المجتمع للخروج من الإطار التقليدي للوظائف، وتطوير قدراتهم كرواد أعمال ومبدعين.

وفي هذا الصدد، دعا معاليه الحكومات كافة، وفي سبيل تعزيز حركة الاستثمار الأخضر، إلى زيادة الاهتمام والتركيز على فئة الشباب، فهم من يقودون حالياً مسيرة الابتكار والإبداع الاستثماري طويل الأجل، لحماية البيئة، وتحقيق النمو الاقتصادي، لأنهم الفئة الأكثر إدراكاً، أنهم قد يعيشون مع تداعيات التغير المناخي مستقبلاً، إذا لم يتم تصحيح المسار والتدخل، عاجلاً لا آجلاً، ومنذ شهر مارس من هذا العام، اختار الكثير من النشء والشباب والمهتمين بالتغير المناخي في 112 دولة، إعلان حالة إنذار بيئي مبكر، وحث حكوماتهم على اتخاذ مزيد من الخطوات الفاعلة، والإجراءات للتصدي لهذا التحدي.

وقال معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، في ختام المقال: «بشكل عام، كقيادات، تقع على عاتقنا جميعاً مهمة الإصغاء للناس، ومتابعة المؤشرات الحيوية لكوكبنا، فالمعطيات كلها تثبت تضرر النظم البيئية الحيوية، وموائل الأنواع المهددة بالانقراض بسرعة غير مسبوقة في تاريخنا البشري، لذلك، علينا جميعاً أن نواصل تعزيز استثمارات التمويل الأخضر، وتنويع مزيج مصادر الطاقة المتجددة، وخفض الانبعاثات الكربونية، لأنه وقت الأفعال لا الأقوال».

* وزير التغير المناخي والبيئة

Email