شباب في الثمانين وكهول في الثلاثين!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل شجرة، على ضفة نهر أو شاطئ بحر، يحلو لنا تمضية الربع الأخير من العمر. طبعاً، الأعمار بيد الله، لكن ثمة واقعاً لا فرار منه. فلا أحد من البشر استطاع أن ينجو من النهاية. الذين حاولوا تحضير إكسير الحياة ليعيشوا إلى الأبد فشلوا. والذين حاولوا إزالة التجاعيد عن وجوههم وأجسادهم أيضاً فشلوا، وما عمليات التجميل إلا تأجيل للشيخوخة فقط.

تحضرني هنا طرفة لها مغزى. قال لصديقه: صديقنا لم يكن يدخن، لم يكن يسهر، لم يكن يأكل اللحوم الحمراء، لم يكن يكثر من القهوة، لقد مات بصحة جيدة!

الموت حق لكن الحياة فن. وكما تقول الحكمة «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً». لكن ما السن التي يمكن عندها أن تعد نفسك قد أصبحت كبيراً في السن، وأصبحت مملاً؟ تنسى كثيراً، تكرر روايات قلتها مراراً.

تشير بعض استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً، حسب تقرير لـ «بي بي سي» إلى أنها سن منتصف الثلاثينيات. فوفقاً لدراسة أجرتها جامعة كِنت البريطانية، فإن عمر 35 سنة ليست فقط هي العمر الذي يُنظر فيه إلينا أننا لم نعد «شباباً»، وإنما هي العمر الذي يصل عنده الرجال إلى «قمة الشعور بالوحدة»، والنساء إلى «قمة الشعور بالملل». إضافة إلى ذلك، فإن هذا العمر هو الذي نبدأ عنده بأن نكره وظائفنا.

وحسب ديليب جيست، مدير مركز الشيخوخة الصحية بجامعة كاليفورنيا سان دييجو، فإن هناك فهماً خاطئاً مفاده أن مرحلتي العشرينيات والثلاثينيات من أعمارنا ستكونان أفضل سنوات حياتنا، وأن التراجع في مختلف أوجه الحياة يبدأ في مراحل لاحقة لذلك. لكن في الواقع، تمتلئ هذه السنوات بالضغوط والمخاوف المختلفة المتعلقة باتخاذ القرارات المصيرية في حياتنا.

يقول جيست: «في الماضي، كان الناس يتخذون قرارات مصيرية طويلة الأمد في بداية سن العشرينيات، لكن أبناء جيل الألفية الجديدة اليوم يواصلون تأجيل مثل تلك القرارات». ويضيف: «فهم يؤخرون الزواج، ويؤجلون الإنجاب، وبالتالي فإن العديد من الضغوط التي كانت تقع في مرحلة مبكرة من الحياة أصبحت تقع في سن الثلاثينيات». لكن الخبر السار هو أن بقية حياتك ستكون أسعد. نعم، ليس كبر السن شيئاً مبهجاً، لكن قدراتك العقلية قد تتحسن بمرور عقود من عمرك.

صديق على مشارف الستين كان يخشى هذا الرقم من العمر. وينظر إلى مرحلة التقاعد من الوظيفة أنها «مت قاعداً» غير أن هذا مفهوم خاطئ للعمر. فكثير ممن يتقاعدون يقولون «لقد قمت بعملي وواجبي تجاه أبنائي والآن سأعيش حياتي».

في الدنمارك يفضل كثير من كبار السن التمسك بوظائفهم ويرفضون التقاعد، حتى إن بعض من وصل عمرهم إلى التسعين ما زالت لديهم الرغبة في مواصلة العمل، حسب ما خلص إليه بحث أجراه مختصون في يوميات كبار السن.

ووفقاً لأرقام «الإحصاء الدنماركي» الرسمي، فإن هناك زيادة ملحوظة في أعداد المسنين المستمرين في سوق العمل، بينهم 6195 ممن تجاوزوا الثمانين سنة، فيما كان الرقم قبل 10 سنوات نحو 4800، وهذه الفئة تمثل 2.5 في المائة من كبار السن الدنماركيين.

ووفق الإحصاء الدنماركي، فإن 50 شخصاً فوق الـ95 عاماً لا يزالون يرفضون مغادرة سوق العمل، فيما تجذب سياسات سوق العمل آلافاً من كبار السن للبقاء، وبذات الوقت يستمتعون بحياتهم من دون توتر أو ضغوط أو مخاوف من المستقبل.

وترفض المعالجة الفيزيائية، بيرتا كارستنسن (92 سنة)، ترك مهنتها، وتصر على أنه «لا يزال هناك الكثير لتعلمه»، وهي تشارك في مؤتمرات حول العالم تتعلق بالعلاج الطبيعي، إلى جانب معالجتها المرضى في بلدها، كما أن نشاطها لا يتوقف على العمل، بل لا تزال تستمتع بالموسيقى والرقص وتزور المتاحف ومعارض الفنون. وتقول «النشاط وملء الفراغ من الأمور المحفزة ليكون للحياة معنى، ولكي يحافظ الإنسان على القوة والمهارة».

كثر منا من لا يفهم الفرق بين أن يحيا وأن يعيش. الحياة حياة الروح إن ذبلت روحك ذبل كل ما فيك. وكم نرى شباباً في الثمانين وكهولاً في الثلاثين!

Ⅶ كاتب أردني

 

Email