مدرسة ترامب السياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أستعير في هذا المقال عنواناً لكتاب نشره في سبعينيات القرن الماضي المفكر اليساري المصري الراحل لطفي الخولي، بعنوان «مدرسة السادات السياسية».

ركز لطفي الخولي في كتابه على شرح طريقة تفكير الرئيس السادات لليساريين المصريين، الذين لم يتصوروا أن هناك طريقة للتفكير السياسي تختلف عن طريقة الزعيم جمال عبد الناصر، الذي يمثل أي خروج عن أسلوبه خيانة للقضية. يواجهنا الرئيس ترامب بتحدٍ من هذا النوع، فطريقته في صنع السياسة واتخاذ القرار تختلف عما ألفناه مع رؤساء أمريكيين سابقين، من الجمهوريين والديمقراطيين، إلى الحد الذي جعلت البعض يتهم ترامب بالعشوائية، لأن طريقته في إدارة السياسة الخارجية تختلف عما هو مكتوب في مراجع الأكاديميين وملفات الخبراء.

يتسم الأداء السياسي للرئيس ترامب بالصخب، يسري هذا على طريقته في إدارة السياسة الداخلية الأمريكية كما يسري على سياساته الخارجية. لا يميل الرئيس ترامب للتحدث عن القيم العليا والمبادئ الأخلاقية في خطابه السياسي، فهو ليس من نوعية الرؤساء الأمريكيين الذين يتطوعون لإلقاء المواعظ والمحاضرات على الآخرين.

الرئيس ترامب لا يعتبر نفسه في مهمة مقدسة من أجل تغيير العالم، وإرساء مبادئ وأفكار عظمى، وإحداث تحولات تاريخية كبرى، لكنه يفضل التركيز على تحقيق إنجازات محددة. يلقي الرئيس ترامب القليل من الخطابات العامة، فهو يفضل التواصل مع الآخرين من خلال تويتر، الذي لا تسمح حروفه الـ280 بشرح مسائل فلسلفية معقدة، أو الترويج لمبادئ كبرى.

لا يكتفي الرئيس ترامب بإعلان الأهداف التي يريد تحقيقها، لكنه يفضل التركيز على الأشياء التي يرفضها. يميل الرئيس ترامب لربط أهدافه بدول وأشخاص وزعماء، يشير لهم بأصبع الاتهام، ويحملهم المسؤولية عما يرفضه من أوضاع. الرئيس السابق أوباما والسيدة كلينتون مسئولان عن سوء إدارة أمريكا داخلياً وخارجياً طوال الثمانية أعوام السابقة، قانون الرعاية الصحية نموذجاً.

الحكومات الأوربية تستغل الولايات المتحدة للدفاع عن أوربا، فيدفع الأمريكيون ثمن الدفاع عن الأوروبيين، الذين ينفقون أموالهم على رفاهية مواطنيهم بدلاً من إنفاقها على الدفاع عن بلادهم.

الصين مسئولة عن سرقة وظائف الأمريكيين؛ والمكسيك مسؤولة عن تدفق المهاجرين عبر الحدود؛ ووكالة غوث اللاجئين مسؤولة عن إطالة أمد اللجوء الفلسطيني والقضية الفلسطينية. الأسلوب الصدامي، وأصابع الاتهام التي يرفعها الرئيس ترامب في وجه مخالفيه هي مصدر الضجيج والصخب المميز لأداء ترامب السياسي.

لا يخشى الرئيس ترامب من إثارة الأزمات، على العكس إذ يبدو أنه من نوعية القادة الذين يكونون في أفضل حالاتهم عندما يعملون تحت ضغط. تصريحات الرئيس ترامب وطريقته في إدارة الأمور البروتوكولية تدخله في أزمات صغيرة يلاحظها الآخرون.

لكن الرئيس ترامب لا يكاد يتوقف عندها. يستمتع الرئيس ترامب بإدارة الأزمات الكبيرة التي يجيد إثارتها، مرة مع الصين بسبب التجارة والأسرار التكنولوجية، ومرة مع كندا بسبب اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا، ومرة مع أوروبا وبسبب انسحابه من معاهدة باريس لحماية المناخ، ومرة مع كوريا الشمالية بسبب تجاربها الصاروخية والنووية، ومرة مع روسيا بسبب التسلح وسوريا.

لا يخشى الرئيس ترامب من الوصول بالأزمات إلى نقطة الخطر، وهو لا يجزع من الوقوف عند حافة الهاوية، بل يستمتع بمراقبة خصومه وقد وقفوا مرتعشين على الجانب الآخر من الهاوية السحيقة التي أخذهم إليها. وقف الرئيس ترامب كثيراً عند حافة الهاوية، لكنه لم يسقط فيها ولا مرة واحدة.

فالرئيس ترامب لديه القدرة على التراجع في الوقت المناسب قبل أن تنفلت الأمور. يتباهى الرئيس ترامب بما لدى بلاده من ترسانة عسكرية ليس لها مثيل، لكنه مع هذا من أقل الرؤساء الأمريكيين إطلاقا للنار. الرئيس ترامب حريص على الوفاء بوعوده الانتخابية، ومن بينها ما وعد به من إعادة القوات من مناطق القتال، وتجنب إدخال أمريكا في حروب جديدة.

يختار الرئيس ترامب معاونيه من بين العناصر الأكثر تشدداً، ولعل سمعة مستشاره لشؤون الأمن القومي جون بولتون كأحد أكثر الصقور الأمريكيين تشدداً هي الأوضح في هذا المجال. وجود المعاونين المتشددين يعزز مصداقية التهديدات التي يطلقها الرئيس ترامب، ويعزز صورته كرئيس قوي.

غير أن الرئيس ترامب يمسك بقوة بخيوط صنع القرارات المهمة في البيت الأبيض، ولا يدع لمعاونيه المتشددين الفرصة لتوريط الولايات المتحدة في مغامرات خارجية. الرئيس ترامب يوظف المتشددين الأمريكيين لصالحه، فيما يظن هؤلاء أنهم يسيطرون على رئيس أمريكي محدود الخبرة.

لدى الرئيس ترامب براعة لا يمكن إنكارها في لفت الانتباه، واستخدام أساليب وأدوات متعددة للمساومة مع الخصوم. غير أنه من غير الواضح ما إذا كان لدى ترامب نفس القدر من البراعة في إنهاء الأزمات باتفاقات مناسبة.

فالمفاوضات مع كوريا الشمالية متعثرة؛ والأزمة مع الصين مازالت تتصاعد؛ والوساطة اليابانية مع إيران مازالت في بدايتها، ومن غير الواضح ما إذا كانت المكسيك قد أحكمت السيطرة على الحدود قبل إلغاء التهديد بفرض رسوم إضافية على صادراتها للولايات المتحدة. مازال على الرئيس ترامب البرهنة على أن مهارته في عقد الصفقات تساوي مهارته في التلاعب بالخصوم.

 كاتب ومحلل سياسي

 

Email