ترامب و«عظمة أمريكا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في سياق تفاقم الأزمة بين واشنطن وطهران، نشرت «وول ستريت جورنال» الأمريكية في الثامن والعشرين من مايو المنصرم أنه مع إعلان واشنطن عدم تجديد الاستثناءات التي منحت للاستمرار بشراء النفط الإيراني توقفت الصين وإلى جانبها بقية الدول التي حظيت بميزة الاستثناء وهي الهند وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان تماماً عن شرائه.

نجاح الرئيس ترامب في إلزام جميع دول العالم تقريباً على التقيد بالعقوبات أحادية الجانب التي فرضتها إدارته بحق إيران يكشف عن المدى الذي تتمتع به الولايات المتحدة من قدرات في السيطرة على أسباب القوة والنفوذ في العالم وفي مقدمتها النظام المالي العالمي، قدرات لم يعمد أسلافه إلى استخدامها إلا بحرص شديد وبقدر محدود.

في مارس 2018 أعلن الرئيس ترامب أن شعار حملته الانتخابية المقبلة في 2020 سيكون «حافظ على عظمة أمريكا» لأن شعار «اجعل أمريكا عظيمة مجدداً» أصبح قديماً، موحياً للناخب بأنه قد حقق شعاره الأول بجعل أمريكا عظيمة، فالرئيس صاحب الرسالة الشعبوية مبهور إلى حد بعيد بهاجس «العظمة».

فقد أكد في أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه بالرئاسة بأنه سيسعى إلى استعادة «عظمة» أمريكا في استهانة بالأدوار التي لعبها الرؤساء الذين سبقوه.

وقد عبر عن ذلك بطرائقه الخاصة حين أبدى ازدراءه في مناسبات عدة للاتفاقيات التي أبرمتها بلاده للمنظمات الدولية كالاتحاد الأوروبي أو لشركائه في اتفاقية شمال المحيط الهادي بل مع حلفائه في الناتو بل للأمم المتحدة نفسها. وقد حظيت أفكار ترامب في حينه بقلق في أوساط عدة ومن ضمنها حلفاء بلاده الأوروبيين.

كما حظيت في الوقت نفسه بانتقادات منافسيه الديمقراطيين، نكتفي بالإشارة إلى ما ورد على لسان سلفه الرئيس أوباما من تعليق عليها «إن قوتنا وعظمتنا لا تتوقفان على دونالد ترامب».

مصطلح «العظمة» كثير الحضور في حياتنا اليومية في استخدامات غير سياسية متنوعة، إلا أنه حين يُضفى على الدولة تصبح له دلالات تختلف باختلاف المدارس الفكرية والسياسية. وهو كأي مصطلح تخضع دلالاته هذه لحكم الزمن الذي يعكس التغيير الذي يطرأ على نظرة الإنسان للحياة ولمفرداتها.

أبرز ما يميز المشهد الأمريكي منذ مجيء الرئيس ترامب لسدة الحكم منذ ما يزيد على العامين: الانتعاش في الاقتصاد والانقسام في المجتمع. فالخلاف حول ميزانية الدولة لعام 2020 يعد الأشد والأطول في تأريخ الإدارات الأمريكية بسبب التباين في المواقف والتصلب إزاءها.

الرئيس ترامب ذو نهج سياسي حاد، طابعه الإثارة والتخلص من قيود الكونغرس والميل نحو الانفراد باتخاذ القرارات، وهو ما يثير الشكوك لدى البعض حول مدى قدراته في تقديم صورة جديدة للولايات المتحدة، فـ«العظمة» في رأي البعض ليست في القوة الاقتصادية أو العسكرية أو إخضاع الآخرين، كما يذهب الرئيس ترامب، بل بما يمكن أن تقدمها إدارته من رؤى حضارية تخدم البشرية جمعاء.

إدارة الرئيس ترامب للأزمة مع إيران هي أحد سيناريوهات استعراض «العظمة»، فهو يديرها بطريقة لا تُستهدف فيها إيران لوحدها «تقنياً» بل تُستهدف معظم دول العالم «سياسياً» عن طريق إلزامها بمقاربات تتفق أو لا تتعارض مع قرارات إدارته، وليس من شك بأنه قد نجح حتى الآن وإلى حد بعيد في مسعاه هذا مستفيداً من السيرة الطويلة التي صنعتها طهران في المنطقة وخارجها عبر سياساتها التخريبية على مدى أربعة عقود من الزمن.

فالدول التي هددت بعدم الالتزام بعقوبات واشنطن ما لبثت أن انصاعت لإرادتها في أجواء تعزز القناعة بأن قرارات البيت الأبيض أكثر أهمية من قرارات مجلس الأمن الدولي الذي لم يحصل في تأريخه على إجماع لتنفيذ ما يقرره كما يحصل مع قرارات الرئيس ترامب.

فواشنطن تستعرض في إدارتها للأزمة مع طهران قوتها وقدرتها على السيطرة على المفاتيح التي تتحكم بمكامن القوة في العالم مقللة إلى درجة كبيرة من جدوى رسم استراتيجيات وفق رؤى تتحدث عن قرب زوال العصر الأمريكي.. عصر القوة العظمى الوحيدة.

Ⅶ كاتب عراقي

 

Email