شركات أكبر من دول

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تخيلت يوماً ما الذي سيحدث لو حلت شركات التكنولوجيا محل الحكومات؟، هل ستصبح الحياة أفضل أم أسوأ؟!، وهل فعلاً شركات السيليكون لا تتدخل في العمل الحكومي، أم أنها تقوم حالياً بالدور الحكومي في الكثير من القطاعات والاتجاهات؟!.

لم تكن مسؤولية تنظيم المواصلات يوماً إلا مسؤولية وزارة المواصلات العامة أو ما شابهها من مؤسسات تُدير هذا القطاع، ولكن مع ظهور التكنولوجيا أصبح تطبيق واحد مهيمناً على هذا القطاع، ويديره بشكل كامل بعيداً كل البعد عن الحكومات، بل يدخل في نطاق المنافسة مع الخدمات الحكومية والتي سيكسبها بالتأكيد مرونة الإدارة وقربه من المستخدم النهائي.

فيما مضى كانت الدولة هي المسؤولة عن المراسلات، وبعد ظهور التكنولوجيا أصبحت شركات عملاقة تدير خدمات التراسل، وتتنافس فيما بينها لجعل العالم قرية صغيرة، وبهذا نستطيع القول بأن الحكومات قد سحبت يدها من هذه المنافسة بشكل كامل واكتفت بدورها في تشريع القوانين المنظمة لهذه الخدمات.

ولكن هي بعيدة كل البعد أيضاً عن القوانين الخاصة بهذه الشركات ولا تستطيع التدخل بكيفية إدارتها إلا بشكل بسيط وطفيف من باب سلطتها المفروضة لا من باب السيطرة الكاملة.

المستقبل سيشهد صراعاً كبيراً بين العمل الحكومي وشركات التكنولوجيا، فها نحن على أعتاب حقبة جديدة وثورة في عالم المواصلات وتنظيم الطرق والسياقة، فبتنافس عمالقة التصنيع في صناعة سيارات ذاتية القيادة والطائرات المسيرة فسنشهد بعد اكتمال هذه المرحلة ما هو أكبر من مجرد الصناعة .

حيث ستوفر هذه الشركات بدائل لكيفية تنظيم السير والمرور وطرق المواصلات وفقاً لقواعدها وأنظمتها البرمجية، ويوماً بعد يوم ستفقد الحكومات ذراعها المنظمة لهذا القطاع.

في المستقبل القريب ومع انتشار تقنيات أنترنت الأشياء، ومع تطور أنظمتها سيصبح قطاع التجزئة والمخزون الغذائي وحركة الصادرات والواردات في مرمى شركات التكنولوجيا، فلا تتوقعون أن تتوقف هذه المسألة عند حد المتاجر الرقمية وخدمات التجارة الإلكترونية، بل ستتعداها بكثير من المراحل.

فستصبح ثلاجاتنا في البيوت قادرة على احتساب نسبة الاستهلاك الفعلي للمجتمع وبالتالي تحدد كمية العرض والطلب تماشياً مع حجم البيانات التي تجمعها، وبهذا ستصبح التكنولوجيا هي المتحكمة بالكثير من القطاعات التجارية. المسألة قد تتعدى هذه القطاعات التنظيمية، بل ستتدخل التكنولوجيا في الأنظمة الديمقراطية والسياسية.

فسيأتي اليوم الذي تصبح فيه صناديق الاقتراع عبارة عن تطبيق ينظم هذه العملية، بل ستصبح البرلمانات والمجالس الوطنية عبارة عن حلقة يتشارك فيها جميع أفراد الشعب وفقاً لبرمجية معينة أو منصة تتيح للشعب ممارسة حقه في توجيه الحكومات، وهذا ما باتت تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي لكن على استحياء، وربما مع تطور هذه الأنظمة ستدخل في أعماق هذه العمليات وتصبح هي المحرك الرئيسي لها.

ولا تستبعدوا أن يأتي اليوم الذي يكون فيه رئيس دولة أو حكومة عبارة عن قطعة سيلكون مبرمجة لإدارة أمور البلاد والعباد.

تقول الكاتبة والمؤلفة: لوسي غرين في كتابها «دولة السيليكون:» كافة جوانب وجودنا تتجه لتصبح تجارية بفضل أجهزة الاستشعار وإنترنت الأشياء وأنظمة التعرف الشفوي والبصري)، وهذا أمر صحيح إذ تتنافس شركات التكنولوجيا لكسب المال مهما تظاهرت بعكس ذلك.

وهنا تكمن الإشكالية الحقيقية في قدرة الحكومات في أن تقف في صف الشعوب لتحميهم من شراسة السيليكون وشركاته أم ستنحاز لهؤلاء العمالقة. ما نراه اليوم من تحركات حكومية لوقف زحف التحكم التكنولوجي وسيطرته على أموال البشر واحتكاره لهذا السوق الضخم يعتبر تحركاً بطيئاً وغير فاعل، ورويداً رويداً ستتغلب هذه الشركات على الحكومات ولن ترحمها حينها، ولنتعلم من تجربتنا السابقة فقد سيطروا على الكثير من القطاعات فإلى متى سنبقى ننتظر تقدمهم وزحفهم دون حراك.

المنافسة خاسرة منذ البداية لذلك يتطلب الأمر أن تقدم الحكومات حلولاً أكثر جدوى وأكثر فعالية وأكثر سهولة في ترويج خدماتها، والمرونة في ممارسة أنشطتها، وإلا ستتشعب شركات التكنولوجيا وتصبح أخطبوطاً يدير العالم بعيداً عن أية سيطرة، وحينها لن ينفع الندم.

*  كاتب وإعلامي

 

Email