التعامل مع تحدّي التغيّر المناخي كفرصة للمستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

تستقبل العاصمة الإماراتية أبوظبي يومي 30 يونيو و1 يوليو المئات من ممثلي حكومات العالم والشركات العالمية لبحث استجابة دولية جماعية لتحدي التغير المناخي الذي يتهدد عالمنا.

وهذا الاجتماع الدولي على أرض الإمارات، الذي دعا إليه معالي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس انطلاقاً من اعتبار التغير المناخي «مشكلة العصر»، هدفه تنسيق السياسات، وتوحيد الآليات، وحشد الدعم المادي والمعنوي لتحقيق مستهدفات أساسية، سيتعهد رؤساء دول وحكومات العالم بمساندتها خلال القمة العالمية للمناخ التي تنظمها الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل.

ومع استضافتنا «اجتماع أبوظبي للمناخ 2019»، نضع أمام المجتمعين هنا بعداً إضافياً متفائلاً لهذا التحدي يتمثّل في إعادة تعريف التغير المناخي كفرصة اقتصادية.

بالطبع، لم نتوصل إلى هذه الرؤية في دولة الإمارات بمحض الصدفة، بل أرسى دعائمها مبكراً الآباء المؤسسون الذين جعلوا من معايير التنمية المجتمعية والبيئية أولويات على المستوى نفسه من الأهمية، فرسّخت رؤيتهم الاستراتيجية ثقافة الاستثمار في قطاعات مستقبلية واعدة مثل الطاقة المتجددة، حتى أصبحت مع مطلع الألفية الجديدة سياسة دولة وأرضية صلبة للشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في هذا القطاع.

وتعهدت دولة الإمارات بزيادة حصتها من الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة المحلي إلى 50 بالمئة، وتقليص الانبعاثات الكربونية بنسبة 70 بالمئة. ونبني اليوم في دولة الإمارات مشاريع سبّاقة بسرعات قياسية لتحقيق هذه الأهداف الطموحة.

إلى ذلك، ينتعش قطاع الطاقة المتجددة بفضل تواصل انخفاض تكاليفها على مستوى العالم. وقد قدمت دولة الإمارات ما يزيد عن مليار دولار من المساعدات لمشاريع الطاقة البديلة في أكثر من 35 دولة نامية منذ عام 2013.

وفي كل مرة، نرى عروضاً لمشاريع بتكاليف أدنى نسبياً من تكاليف استخدام الوقود الأحفوري. هذه الظاهرة بدأت الانتشار على مستوى تجاري حول العالم، بدءاً بالسهول العظمى في الولايات المتحدة الأمريكية ووصولاً إلى مناجم التشيلي.

أما البعد الآخر للآلية الجديدة لتعامل عالمنا مع التغير المناخي هو صحة الإنسان.

فتاريخياً، كانت جهودنا في مجال التغير المناخي منصبّة على حماية كوكبنا بشكل عام، دون تسليط الضوء على واحدة من أخطر نتائج التغير المناخي والانبعاثات، والمتمثلة في تأثيراتها المباشرة على صحة الإنسان، وعلى حياة أربعة إلى سبعة ملايين إنسان سنوياً، وهي تأثيرات باهظة الكلفة إنسانياً ومادياً على الأفراد والمجتمعات والحكومات.

واليوم تركز منظمة الصحة العالمية، وغيرها من المؤسسات، على أهمية الاستثمار في التصدي لمشكلة تلوث الهواء كوسيلة من وسائل التعامل الفعّال مع التغير المناخي، فلو استطعنا تحييد مصادر تلوث الهواء، مثل محطات الطاقة المتهالكة والمصانع القديمة التي تعد مصدراً رئيسياً للانبعاثات الكربونية، فسنكون قادرين على توفير 200 مليار دولار من تكاليف الرعاية الصحية سنوياً حول العالم بحسب البنك الدولي ومراكز بحثية أخرى، ليكون استثماراً رابحاً يوفر ما يصل حتى 30 دولاراً مقابل كل دولار يتم استثماره في هذا المجال.

هذه أرقام واضحة ومجدية مادياً، تفيد المناخ، وينتج عنها نمو متواصل في تعهدات التصدي لمشكلة تلوث الهواء.

وعلى مستوى آخر، بدأت قطاعات الأعمال التكيف بشكل مبتكر وسريع مع مشكلات التغير المناخي، لأنها أدركت الفاتورة المادية الباهظة لتداعيات هذا التغير المناخ من أعاصير وفيضانات وموجات جفاف، حيث يخسر الكثيرون مساكنهم، وتتراجع مبيعات الشركات وتتضرر أصولها، وتضطر حكومات إلى الاقتراض والاستدانة لإعادة إعمار البنى التحتية.

وعلى المستوى العالمي، كلفت الكوارث المناخية أكثر من 650 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، بحسب مؤسسة مورجان ستانلي. واليوم، لدينا أسباب مادية مقنعة للتصرف إزاء التغير المناخي.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة و«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، يمكن توفير 7 إلى 12 دولاراً من تكاليف الإغاثة أثناء الكوارث مقابل كل دولار نستثمره في الاستعداد المسبق لتجنب الكوارث المناخية.

وبالمحصّلة، فإن انخفاض تكاليف إنتاج الطاقة البديلة، والعوائد المجزية للتدابير الوقائية لحماية صحة البشر بحماية البيئة، والتكيف الإيجابي لقطاعات الأعمال والشركات بابتكار حلول إيجابية للتغير المناخي، ستشكل اليوم منافع فورية مباشرة غير مسبوقة، بعد أن كانت في الماضي مقتصرة في أذهان الكثيرين على تأثيراتها على المدى البعيد.

لكن ما يدعم قضية مواجهة التغير المناخي بشكل فعلي ويعزز فرصها الواعدة مستقبلاً هو الإدراك العميق لدى شباب العالم لأبعاد هذه القضية ومساندتهم لها.

وإذ يجعل شباب العالم اليوم التغير المناخي أولويتهم الأهم، فإنهم يعملون في الوقت نفسه، واثقين بقدراتهم، على إحداث الفرق بأنفسهم، سواء بالمنتجات الصديقة للبيئة التي يستخدمونها أو المسارات التعليمية والمهنية المستدامة التي يختارونها.

لذلك كله، اخترنا جعل الشباب محوراً رئيسياً لاجتماع أبوظبي للمناخ، بحيث يستطيعون من خلال دعم وتمكين دولة الإمارات العربية المتحدة والأمم المتحدة لهم، المشاركة مباشرة في صياغة مستهدفات الاجتماع، والتواصل عن قرب مع الوزراء المشاركين والرؤساء التنفيذيين ومديري وكالات الأمم المتحدة في مشاورات وحوارات حية يديرونها بأنفسهم.

ونحن على ثقة بأن أفكارهم ورؤاهم ستجعل من «اجتماع أبوظبي للمناخ» محطة تاريخية مشهودة في تضافر الجهود العلمية والسياسية والاقتصادية العالمية لأخذ زمام المبادرة، معاً هذه المرة، للتصدي للتغير المناخي.

 

 

 

Email