موقف عربي جماعي مطلوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك بأن الدعوة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية لعقد قمتين طارئتين نهاية الشهر الجاري في مكة المكرمة، لبحث تداعيات الهجمات التي استهدفت المصالح النفطية في الآونة الأخيرة بالمنطقة، تمثل هذه الدعوة خطوة مهمة للغاية في إطار ما يعرف ببناء قضية تستوجب اتخاذ قرارات عالية المستوى، وليس من بينها بالضرورة خوض حرب ضد طرف ما، بل إن مناقشة هذا التطور الخطير على مستوى عربي جماعي، يجب أن تتصدر الأولويات في المرحلة الراهنة.

يجب أن نتفق، كخليجيين وعرب، مبدئياً على أن الأمن العربي والخليجي كل لا يتجزأ، وأن هذه القاعدة أو المبدأ ليس مجرد شعار يتردد على الألسنة، بل معيار أساسي لصون مكتسبات ومقدرات الدول والشعوب العربية، كما يجب أن نتفق على أن الظروف الراهنة تتطلب وعياً استراتيجياً عالياً لأن هناك حالة غير مسبوقة من التربص بدول مجلس التعاون، ما يستوجب بناء موقف عربي جماعي قادر على التصدي، لما يحاك لدولنا وشعوبنا من مؤامرات ودسائس.

البيان السعودي الرسمي بشأن الدعوة للقمتين أكد أنها تأتي من «باب الحرص على التشاور والتنسيق مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية، في كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة»، ونعلم جميعاً الظروف الداخلية التي تمر بها الكثير من الدول العربية، وهي ظروف تستوجب بذل كل جهد ممكن من أجل التصدي لما قد تسعى إليه بعض القوى الإقليمية المتآمرة التي ترى في اللحظة التاريخية الراهنة فرصة سانحة للانقضاض على الدول العربية والخليجية.

والحقيقة أن ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين يمثل تطوراً نوعياً فارقاً، فهناك اعتداء على 4 سفن تجارية، منها ناقلتا نفط سعوديتان، بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات، وهناك هجوم نفذته ميليشيا الحوثي على محطتي ضخ نفط بالمملكة العربية السعودية باستخدام طائرات مفخخة من دون طيار، معلوم بالطبع مصدرها وهويتها والطرف الذي أمر بتنفيذ الهجوم، حتى وإن اعترفت ميليشيا الحوثي الانقلابية بأنها من قامت بذلك.

الظروف الإقليمية الراهنة تتطلب بالفعل من القيادة السعودية أن تقوم بدور لم الشمل وتوحيد الصف والتشاور والتنسيق مع بقية الدول العربية والخليجية من أجل بناء موقف جماعي يبعث برسالة قوية إلى المتربصين بمنطقتنا، ومن يعتقدون أن حالة الفوضى والاضطراب التي أسهموا هم أنفسهم في إيجادها وتعميقها إقليمياً، يمكن أن تتسبب في إرباك القيادة السعودية، التي تدرك جيداً طبيعة الظروف الراهنة وتنطلق من فهم واعٍ لحقائق التاريخ ومتغيراته التي تجعل من «الحزم» والحسم منهاج عمل لا حياد عنه في المرحلة الراهنة لأن أنظمة انتحارية مثل النظام الإيراني لا تفهم للأسف الشديد سوى لغة القوة، على الأقل لجهة المواقف وصلابتها وحزمها وحسمها، فالقوة لا تعني بالضرورة شن حرب وليست مرادفاً لقرار الحرب، بل إن التلويح بالحرب وإثبات القدرة على الردع وإقناع الطرف الآخر بهذه القدرة وتأكده منه، كفيل بتحقق النتائج المبتغاة من استخدام القوة بشكل واقعي.

اعتاد النظام الإيراني اتباع بعض الاستراتيجيات والتكتيكات في إدارة الأزمات منها نقل الصراع إلى أرض الغير والحروب بالوكالة، اعتماداً على الأذرع الطائفية من العملاء المأجورين، كما اعتاد أيضاً انتهاج سياسة «حافة الهاوية» في إدارة الأزمات، والميل إلى تطبيق لعبة «عض الأصابع» الاستراتيجية في إدارة الصراع مع الغير، ومن ثم فإن التعامل مع هكذا نظام لا يؤمن بقواعد اللعبة الدبلوماسية لابد وأن تتحقق من خلال القواعد ذاتها التي يفهمها، بل لا يفهم سواها.

والمؤكد أن الدعوة السعودية لعقد قمتين طارئتين، خليجية وعربية، لا تعنيان بالضرورة توحيد الصف العربي من أجل خوض حرب، فالمملكة الشقيقة قالت بشكل واضح إنها لا تسعى للحرب وكذلك أكدت دولة الإمارات، ولا أحد بشكل عام يريد الحرب، ولا توجد دولة حققت كل هذه الإنجازات التنموية وتسعى للمزيد من أجل إسعاد ورفاه شعوبها ثم تتحدث عن الحرب، ولكن التجارب التاريخية تؤكد أيضاً أن الحروب تكون أحياناً البديل الوحيد للحفاظ على مقدرات ومكتسبات الشعوب وسيادة الدول، فهناك حرب الضرورة وهناك حروب تفرض على أطراف بعينها، وليس معنى أن طرفاً ما يميل للأمن والاستقرار والسلام أنه لا يقدر على خوض الحرب، فالمسألة كلها تخضع لسلم أولويات دقيق وحسابات استراتيجية مدروسة، وهذا ما أعلنته المملكة حين قالت على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير إن «السعودية ستفعل ما في وسعها لمنع قيام حرب في المنطقة، ولكنها مستعدة للرد بكل قوة وحزم»، وهذا الموقف في غاية العقلانية والرشادة السياسية التي تستحق الاحترام والتقدير.

Email