عهد إمبراطوري جديد في اليابان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ظل إمبراطور اليابان أكيهيتو (85 عاماً) يلح منذ عام 2012 على فكرة تخليه عن عرش الأقحوان لولي عهده الأمير ناروهيتو (59 عاماً)، معللاً السبب بحاجته للراحة بعدما تقدم به العمر وضعفت صحته وبالتالي صار غير قادر على أداء مسؤولياته الشرفية.

غير أن رئيس وزرائه «تشينزو أبي» راح يتهرب من الإستجابة لطلبه، تارة بحجة أن الموضوع يحتاج إلى تعديلات دستورية معقدة، وتارة أخرى بدعوى أنه لا يمكن تغيير التقاليد الراسخة في العائلة الإمبراطورية.

وعليه لم يجد أكيهيتو حلاً سوى إبداء رغبته تلك عبر التصريح بها من خلال مقطع فيديو نادر في أغسطس 2016. وسرعان ما راحت الصحافة اليابانية تستطلع آراء الشعب، فكانت النتيجة أن ما بين 80% إلى 90% من اليابانيين يفضلون أن يخلد إمبراطورهم المحبوب للراحة.

هنا لم تجد حكومة أبي مفراً من إيجاد مخرج دستوري لرغبة أكيهيتو، ولأنه لم يسبق لإمبراطور ياباني أن تخلى عن العرش منذ مائتي سنة أي منذ أن تخلى الإمبراطور كوكاكو عن عرشه سنة 1817، كان لابد أن يلتئم البرلمان الياباني ليقر تشريعاً، يسري لمرة واحدة واحدة فقط يمكـّن أكيهيتو (دون غيره) من التنازل عن العرش الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 2600 سنة.

ولئن دخل أكهيتو تاريخ بلاده كأول إمبراطور يتنازل عن العرش منذ 200 عام، فإنه دخل تاريخ اليابان قبل 60 عاما كأول وريث لعرش اليابان يتزوج فتاة من عامة الشعب، (الإمبراطورة ميتشيكو)، كما أنه أول إمبراطور ياباني يفتتح عهده بمخاطبة الشعب من خلال التلفزيون وأول إمبراطور يتوج في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في ظل دستور سلمي جديد نـُزعت بموجبه المكانة المقدسة التي كان يحظى بها كل أسلافه.

ولأن أكيهيتو كان ضمن رموز اليابان الذين عاصروا أهوال الحرب الكونية التي أدت إلى هزيمة اليابان وكانوا شهوداً على تداعياتها المرة، ومنها مطالبة بعض الدول المنتصرة وفي مقدمتها بريطانيا بضرورة محاكمة والده وسجنه أو إعدامه أو نفيه، فقد لعب الرجل منذ جلوسه على العرش دوراً نشطاً مع الإمبراطورة من أجل السلام والمصالحة ونبذ أي فكرة يمكن أن تخلق المتاعب مجدداً لبلاده، كعسكرتها مثلاً.

ونجد تجليات ذلك في زيارات قام بها إلى دول آسيوية احتلتها اليابان، حيث أعرب خلالها عن ندمه لما حل بشعوبها من مآس على يد القوات اليابانية الغازية، ناهيك عن إطلاق إسم «هيسي» (إنجاز السلام والمصالحة) على عهده.

بل نجد تجلياتها بصورة أوضح في تكرار تصريحاته حول ضرورة حماية الدستور الحالي والتمسك بمواده السلمية والديمقراطية، باعتباره وثيقة مقدسة حمت اليابان من تكرار أخطاء الماضي ومهدت السبيل أمامها للانطلاق.

وفي هذا السياق ظهرت تقارير مفادها أن أكيهيتو لم يحبذ أن يرتبط عهده بما يحاول رئيس الوزراء الحالي «تشينزو أبي»، صاحب الكاريزما الجماهيرية والحضور الفعال على الساحة الدولية والنجاح المشهود في قيادة البلاد في السنوات الأخيرة، تنفيذه لجهة تغيير بعض مواد الدستور من أجل تأسيس جيش ياباني حديث يمتلك من الإمكانيات ما يتيح له لعب دور فعال في الأزمات الدولية بدلاً من الاكتفاء بالدفاع عن الوطن فحسب.

حيث إنه من المعروف عن أبي انتقاده دستور اليابان الحالي في أكثر من مناسبة، بل وصفه بالدستور الذي «لا يليق بأمتنا العظيمة، لأنه أملي علينا في فترة حرجة، وتمت صياغته خلال 8 أيام من قبل 25 شخصاً يقودهم الجنرال (الأمريكي) دوغلاس ماك آرثر».

وإذا صحت هذه التقارير، فإن قرار أكيهيتو بالتنازل عن العرش له خلفية أخرى غير موضوع التقدم في السن، محورها الخلاف مع أبي حول تغيير الدستور.

لكن ليس هذا وحده ما قيل حول تباين الرؤى بين أكيهيتو ورئيس وزرائه ذي الشعبية المتصاعدة، وإنما قيل أيضاً أن أحد أسباب الخلاف الأخرى هو أن أكيهيتو ظل يدفع منذ زمن رئيس الوزراء الأسبق «كونتشيرو كويزومي» باتجاه تغيير يتيح لأميرات العائلة المالكة تولي العرش، لكن أبي، الذي كان وقتها وزيراً نافذاً في حكومة كويزومي ورمزاً كبيراً من رموز الحزب الحاكم (الحزب الديمقراطي الليبرالي)، وقف هو وأنصاره في وجه هذا الاقتراح ثم وضعه على الرف بعد توليه قيادة البلاد.

كتب البروفسور الياباني«تاكيشي هارا» في دورية فوربس الأمريكية أن إعلان أكيهيتو التنازل عن العرش يشبه إعلان والده استسلام اليابان سنة 1945، مضيفاً أنه في كلتا الحالتين تم تخريج العمليتين بوصفهما تعبيراً عن إرادة الإمبراطور التي هي من إرادة الشعب.

ومما قاله أيضا أن تنازل أباطرة اليابان عن العرش هو الأصل، لأنهم قبل نهايات القرن 19، وتحديداً ما بين عامي 645 و1817 كانوا يقدمون على ذلك بحرية، وبالتالي فإن ما أقدم عليه أكيهيتو هو عودة إلى ما كان دارجاً في الماضي.

 

 

Email