زايد والقيم الإنسانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصادف هذا الأسبوع ذكرى وفاة مؤسس دولة الإمارات الحديثة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه. لم يكن زايد قائداً لدولة الإمارات فحسب بل الأب المؤسس الذي وضع خطى الدولة على قدمي الريادة في كل المجالات، وهيأ للدولة التقدم والرقى.

دولة الإمارات التي ولدت فكرتها في فكر زايد وراشد قبل حوالي نصف قرن ما كان لها أن تولد عملاقة في الصميم، لولا تلك الدفعة القيمية التي بثها فيها الآباء المؤسسون.

فقد ولدت فكرة الدولة القومية في فترة كان فيها العالم يقف شاهداً ومتفرجاً على حلبة يتصارع فيها قطبان متناحران على الريادة والقوة على مقدرات العالم بأسره. وكان على الكيان الجديد أن يكون منحازاً إما لكتلة الشرق أو الغرب.

فقد كان ذاك الزمان زمن التوترات الإقليمية والتكتلات الدولية، فلا قيمة أو شأن لمن يقرر البقاء وحيداً أو منعزلاً. وعلى الرغم من ذلك فقد اتخذت دولة الإمارات لها موقفاً إن دل على شيء فهو يدل على التصميم والعزم على عدم الانحياز إلا للعدل والحرية الإنسانية.

وعلى مستوى الصراعات الدولية كانت القيم الإنسانية القائمة على العدل والمساواة والحرية والإخاء والتسامح والوقوف في وجه القوى وإغاثة الضعيف والملهوف مجرد شعارات يرفعها الضعيف والمغلوب على أمره.

فلا وجود حقيقي لها على الساحة السياسية الدولية بحكم أن السياسة هي التجرد من القيم الإنسانية لصالح القوة والهيمنة والنفوذ. ولكن ما أن تم الإعلان عن ولادة هذه الدولة الفتية حتى تم إعلاء شأن تلك القيم الإنسانية وجعلها ركناً من أركان السياسة الخارجية.

فزايد لم يألُ جهداً في سبيل الوقوف إلى جانب كل ضعيف وإغاثة كل ملهوف ومحتاج، بل والوقوف إلى جانب الحق العربي في وجه أعتى الطغاة حينما قرر وقف تصدير النفط إلى الدول التي تساند العدو الإسرائيلي. كل ذلك والدولة ما زالت في سنواتها الغضة الأولى، الأمر الذي يعكس وبوضوح العمق الإنساني الحقيقي للدولة الجديدة والنهج الذي يحكم سياساتها الداخلية والخارجية.

فبالنسبة لزايد لا شيء يعلو على صوت الحق، ولا قيمة تعلو على القيم الإنسانية النبيلة التي تكفل الكرامة لبني البشر وتكفل لهم حقوقهم الإنسانية التي كفلتها لهم كل الأديان والشرائع الدولية. فقد أثبتت الدولة تمسكها بتلك القيم في سياساتها الداخلية والخارجية على حد سواء وأثبتت أنها من غرس تلك الأيدي التي ترفض أن تضع يدها في يد الظالم لو كان في ذلك مساساً بالكرامة الإنسانية.

لقد عُرفت دولة الإمارات بقيمها الإنسانية النبيلة والرفيعة وهي في أول خطواتها السياسية وفي بداية طريقها. فقد دعا زايد إلى الحوار لحل الخلافات السياسية ولتجنب الصدامات العسكرية والتي لا ينتج عنها إلا الأذى لبني البشر. وكما رفض زايد الحروب والنزاعات المسلحة رفض الظلم والإساءة إلى الآخرين والتعدي على سيادتهم.

ففي نظر زايد لا شيء يعلو على صوت الأخوة الإنسانية. ولهذا دعا دول الجوار لوضع أي خلافات حدودية على طاولة البحث والتفاوض للوصول إلى حلول سياسية تكفل العدل للجميع، وهو الذي دعا إيران لوضع أي نزاع على طاولة التفاوض للبدء في صفحة جديدة مبنية على احترام حقوق الآخرين واحترام الجار للجار، في خطوة تعد الأولى على مستوى العالم العربي للتفاوض مع المغتصب.

ولكن محاولات زايد ووجهت بالرفض من قبل الجانب الإيراني، الأمر الذي أدى إلى إطالة أمد النزاع ووصوله إلى نقطة مستعصية. وكما وقف زايد في وجه الظلم إقليمياً وقف في وجه الظلم دولياً. ففي البوسنة وأفغانستان ومناطق أخرى من العالم كان لدولة الإمارات مواقف مشرّفة في وجه الظلم والتصدي للباطل ومساعدة الضعيف.

في 19 رمضان 1425هجرية، ودّعت الإمارات زايد ولكنها لم تودع القيم التي غرسها في عمق المجتمع الإماراتي. فدولة الإمارات اليوم تعلي من شأن قيم العدل والتسامح، وتفتح أبوابها لملايين البشر لكي يعيشوا جنباً إلى جنب مع بعضهم البعض في صورة إنسانية قل وجودها في عصرنا الحالي.

فقد أكدت الإمارات مراراً أنها سائرة على نفس نهج زايد بما يختص بإعلاء القيم الإنسانية، لأن البشر يستحقوا أن يعيشوا في أمن وأمان وسلام.

فحين وقّعت الإمارات وثيقة الأخوة الإنسانية في حضور البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية في العالم، وفي حضور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إنما تؤكد نهج الدولة القيمي وترسّخ القيم الإنسانية التي أراد لها زايد الديمومة والبقاء.

 

 

Email