التواصل الهشّ في بيئات العمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

سألتني إحدى المذيعات الأربع في إذاعة UFM السعودية، لماذا تركز في كثير من كتاباتك على التواصل بين الناس. فكانت إجابتي بأننا نعاني من مشكلة كبيرة في التواصل داخل أروقة العمل وفي الحياة الاجتماعية.

فكثيراً ما نعتقد بأننا فهمنا ما يريده المدير لكننا «لم نتأكد» مما سمعناه شفاهة حفاظاً على وقتنا وجهدنا. فيقول المسؤول مثلاً: أرجو إعداد التقرير السابق وتسليمه خلال أسبوعين للأهمية. ثم نفترض أنه يقصد تقريراً أجريناه سابقاً، وبعد المدة الزمنية وإشغال ثلاثة موظفين للعمل عليه نكتشف أنه كان يقصد شيئاً مختلفاً كلية. غير أننا لا نكلف أنفسنا عناء حساب التكلفة المادية التي قد تنشأ من سوء التفاهم.

فَلَو أن الراتب الشهري للموظفين الثلاثة في حدود أربعة إلى ثلاثة آلاف دولار وبافتراض أنهم عكفوا على إنجازه يومياً طوال الأسبوعين، فإننا قد أهدرنا نصف راتبهم (4500-6000 دولار) في مشروع لم نتأكد منه بصورة دقيقة.

ولذا كان من أبجديات التواصل الإداري داخلياً كتابة الأوامر والتعليمات. وهذا ما تفعله مثلاً مقاهي ستاربكس حينما يسأل الكاشير شفهياً العميل عن طلبه ثم يتلوه شفاهة لزميله معد القهوة (الباريستا) ثم يكتب الكاشير ما سمعه على الكوب.

ولو افترضنا أن ما قاله لي أحد الموظفين بأن معدل ما يهدر يومياً بسبب عدم الاستماع للطلب هو خمسة أكواب تضطرهم لإعادة تحضير طلب جديد، ولو افترضنا أن قيمة القهوة خمسة دولارات، فإن عدد ما ستخسره فروع المقاهي البالغ عددها 23.324 ألف مقهى سنوياً هو 43 مليون دولار سنوياً وهو مبلغ هائل.

ولذا كانت إدارتهم ذكية في وضع نظام دقيق يحسّن التواصل ويقلل الهدر، فكيف سيكون الوضع لو لم يكن هناك نظام أصلاً. وكم من مؤسسة خدمية خاصة وعامة (حكومية) يخطئ موظفوها أخطاءً لأسباب متعلقة بسوء التواصل، وذلك لغياب نظام يرصد الأخطاء ويحللها ثم يرفع كفاءة التواصل الإداري.

وهذا ما يدفع الشركات الخدمية أو الاستشارية إلى تدوين تفاصيل نطاق العمل scope of work قبل الشروع في أي مشروع حتى لا يهدر وقت وجهد العاملين.

مشكلتنا في التواصل تكمن في عدم الانتباه إلى فضيلة الإنصات في العمل التي تستقطع نحو 55 في المائة من وقت العمل حسب دراسة ذكرتها في كتابي «أنصت يحبك الناس». وفِي دراسة ثانية عملت على يوميات الناس تبين أننا نقضي 40 في المائة من وقت اليقظة في الاستماع، 35 في المائة في التحدث، 16 في المائة في القراءة، 9 في المائة في الكتابة.

التواصل شفاهة وكتابة مهارة أصيلة في الإدارة، وبدأت تتسع مادتها في الكتب الحديثة التي ندرسها في الجامعات بعد تزايد الأبحاث العلمية في هذا الشأن وارتفاع حاجة بيئة العمل إلى أناس يدرسون هذه الأطروحات، تجنباً للتواصل الهش.

ولذا قررت أن تكون أول ثلاثة كتب لي في مهارة إدارية مهمة، وهي «فضيلة الإنصات» التي فصّلت في كيفية تطويرها وقياسها وملاحظتها في بيئة العمل والحياة.

 

 

Email