ميليشيا إيرانية برلمانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أبرزت العديد من وسائل الإعلام العربية، خبر رفض عدد من الفصائل السياسية العراقية قرار الولايات المتحدة تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، ما يعني أن هناك قراءات عربية وعراقية متباينة فيما يرتكبه هذا التنظيم العسكري من عمليات الإجرام وتوتير العلاقة بين العراقيين أنفسهم وبين العراق ودول المنطقة.

قد يكون موقف هذه الفصائل من قبيل المصادفة، على أساس أن التوقيت الذي أعلنت فيه رفضها هي لحظة إيرانية في العراق وأن قائد الحرس الثوري قاسم سليماني هو مؤسس تلك الفصائل، ولكن وبشكل عام فإن مثل هذه المواقف العربية التي تثير الاستغراب والحيرة أنها باتت تحدث في بعض البرلمانات العربية والإسلامية والدولية من قبل برلمانيين عرب، حيث غالباً ما يقف بعض البرلمانيين العرب ضد أي مشروع أو قرار سياسي قد يدين النظام الإيراني، وهذا يناقض الحس الوطني والمسؤولية القومية لهم على الأقل أن الذين يرفضون تلك القرارات بلدانهم ومجتمعاتهم هي الأكثر تأثراً.

وقد لا أبالغ إذا ما قلت إن دفاع بعض النواب والمسؤولين العرب من الدول التقليدية المعروفة بتبعيتها لإيران مثل لبنان والعراق يستميتون إلى درجة أنك تعتقد أنه لو كان ممثلو إيران من ضمن الحضور لما دافعوا عن دولتهم بتلك القوة وتلك الحماسة، حتى يصل الأمر أحياناً إلى حد الغضب لدرجة صار البرلمانيون في بعض الدول العربية يشكلون تكتلات جانبية من أجل الاستعداد للاشتباك السياسي مع من يدافعون عن النظام الإيراني.

قضية التصويت ضد إيران باتت اليوم أحد المحاور الرئيسية للخلاف العربي آخرها كان في البرلمان الإسلامي في المغرب عندما تساءل أحد ممثلي البرلمانات العربية من دول المغرب العربي حول السبب على التصويت ضد إيران متجاهلاً، بعلم أو بدونه، عما يفعله هذا النظام في الداخل العربي.

منذ أكثر من أربعة عقود وإيران تتدخل في العديد من الدول العربية وهي عامل مهم في انشقاق المجتمعات العربية حيث تمارس سياسة «فرق تسد» خاصة في العراق وتسببت في تدهور الوضع الإنساني هناك فيكون غريباً أن يثار جدل بالداخل العراقي حول تصنيف الحرس الثوري لأن الضرورات الاستراتيجية لكل دولة وخاصة العربية بشكل أدق العراق أحد أعمدة المثلث الاستراتيجي العربي، مع مصر وسوريا، تتطلب ممن يتحملون مسؤولية الدولة مراجعة مواقفهم لما لهذه المواقف من تداعيات على مستقبل بلدانهم. لأن مثل هذه المواقف، المتأرجحة، تقوي كثيراً من حالة «التنمر» الإيراني على الدول العربية وتضعف الموقف العربي.

لم يعد مهماً أن تتواجد إيران في اللقاءات العربية للدفاع عن نفسها فهي للأسف نجحت وباقتدار في خلق بديل لها في البرلمانات والمجتمعات يدافع عنها ويبقى التساؤل متى يمكننا فهم وتقدير الخطر الذي يمثله إيران علينا كعرب لأنه لا يمكن القبول بهذه المواقف لأنها مؤشر على توظيف أدوات محلية لتدمير الدول العربية.

هناك كثيرون متعاطفون مع النظام الإيراني في الداخل العربي، وأن الحملة الأمريكية في تطبيق العقوبات الاقتصادية أسهمت في تنمية المشاعر الإنسانية تجاه المواطن الإيراني، لكن ينبغي أن نكون على بينة بأن النظام الإيراني هو السبب في معاناة الشعب الإيراني وخاصة الحرس الثوري ومشاريعه السياسية في الإقليم فهو الذي يدير كل المعارك في المجتمعات العربية ومن ثم فليس من العقل والمنطق الوقوف مع النظام ونستعدي الشعب الإيراني ضدنا بل مهم الاستفادة من تلك المواقف أو السكوت على أقل تقدير.

طبيعي أن يشعر الإنسان العربي بصدمة موقف بعض العرب حتى لو قال أحدنا إننا اعتدنا على ذلك من بعضهم، لأن ما يفعله بعض السياسيين العرب يدمر النظام الإقليمي العربي، ويصدمنا الأمر كذلك عندما نجد أن بعض العرب يدافعون بكل «وقاحة سياسية» عن إيران أكثر من إيران نفسها، وهذا ليس له تفسير سوى شيوع العبث على المسؤولية الوطنية.

القلق أن نتعايش مع هذه «الإبداعات» العربية ويصبح الأمر عادياً لا يستنكره أحد ويصير انتشاره في المجتمعات العربية أمراً عادياً بل ويزدهر.

Email