تحولات العلاقة بين إسرائيل والداخل الأمريكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

المعركة التي دارت مؤخراً بين مرشح الرئاسة الأمريكية برني ساندرز وكبرى المنظمات المناصرة لإسرائيل في واشنطن يشير، على الأرجح، إلى أن سياسات إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية قد تتحول إلى قضية من قضايا الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، وذلك لأول مرة منذ عقود طويلة.

فليس سراً أن علاقة أمريكا بإسرائيل غابت عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لفترة طويلة لأن الفروق بين المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين بشأنها تراجعت لأقصى مدى.

فحتى تتحول مسألة لقضية انتخابية، لابد وأن يكون هناك اختلاف بين المرشحين بشأنها مما يجعل طرحها مزية انتخابية لأحدهم ونقطة ضعف لغيره. ومثل ذلك الاختلاف طفا على السطح، هذه المرة، بين ترامب من ناحية وعدد من المرشحين الديمقراطيين، وعلى رأسهم برني ساندرز.

وبرني ساندرز، المرشح اليهودي التقدمي، لمنصب الرئاسة له مواقف واضحة في انتقادها لسياسات إسرائيلية عدة، وخصوصاً السياسات التي تتبناها حكومات اليمين الإسرائيلي.

وكان ساندرز فى حوار له مؤخراً مع شبكة إن بي سي، عشية الانتخابات الإسرائيلية، قد وجه انتقادات لبنيامين نتنياهو قائلاً إن الأخير «كلما خاض حملة انتخابية» استهدف القوى «العنصرية» في إسرائيل، مضيفاً أنه «ليس من أنصار نتنياهو» ويتمنى له «الهزيمة» في تلك الانتخابات.

وكان ساندرز قد وجه قبلا انتقادات لتعهد نتنياهو بضم مستوطنات الضفة الغربية. عندئذ، شن لوبي إسرائيل حملة قوية ضد ساندرز تستهدف حملته الانتخابية.

فقد تم تنظيم حملة إعلانات مدفوعة الأجر، على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تمولها «لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية»، والمعروفة اختصاراً باسم «إيباك» وهي أكبر وأقوى المنظمات المناصرة لإسرائيل، بل ولليكود الإسرائيلي تحديداً.

والحملة تستهدف جمهور الناخبين في الانتخابات التمهيدية للرئاسة في ولايات حيوية ثلاث، كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا. وفى تلك الحملة الإعلانية، طالبت «إيباك» الأمريكيين بالتوقيع على عريضة موجهة لساندرز عنوانها «أمريكا تساند إسرائيل».

ومثل تلك الحملة ضد ساندرز سوف يتبعها أخرى بالضرورة، طالما لم يتنازل عن مواقفه، لكنها قد تؤتي أثراً عكسياً.

فبدلاً من هزيمة ساندرز مبكراً في الانتخابات التمهيدية، كما تستهدف تلك الحملة، فإنها قد تؤدي لتحويل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لقضية انتخابية، وذلك لأسباب متعددة.

أولها أن العلاقة بين إسرائيل واليهود الأمريكيين قد شابها الكثير من التوتر في عهد ترامب.

فالأغلبية من اليهود الأمريكيين، ليبراليون في مواقفهم السياسية والاجتماعية. وهم رغم تأييدهم لإسرائيل ولدعم الولايات المتحدة لها، إلا أنهم يحملون ترامب، داخل أمريكا نفسها، المسؤولية عن تشجيع تيار القومية المتشدد صاحب المواقف العنصرية والمعادية للسامية، لذلك، فهم لا يشعرون بالارتياح إزاء العلاقة الوثيقة بين نتنياهو وترامب، مما أدى لازدياد شعورهم بعدم الارتياح تجاه سياسات نتنياهو.

وفضلاً عن ذلك، فإن الكثير من اليهود الأمريكيين، حتى الذين يؤيدون الحكومة الإسرائيلية، يجدون في الموقف الديني المتشدد لليكود داخل إسرائيل نفسها وضد قطاعات من اليهود الإسرائيليين غير مقبول، بما في ذلك استمرار حظر الصلاة المختلطة، أي مشاركة المرأة فيها، عند حائط المبكى. لكن هناك أيضا فجوة جيلية مهمة داخل الجماعة اليهودية الأمريكية بخصوص إسرائيل.

فالأجيال الأكبر سناً من اليهود يعتبرون دعم إسرائيل جزءاً من هويتهم اليهودية، والكثير من قيادات المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى ينتمون لهذا الجيل، الذي يرفض انتقاد سياسات إسرائيل علناً، ومن ثم يدعمون السياسات التي تتخذها الحكومات الإسرائيلية.

لكن حتى تلك المنظمات التي تبالغ في الدعم اللامشروط للحكومات الإسرائيلية، قد وجدت نفسها مضطرة لتوجيه انتقادات حادة لنتنياهو حينما سعى لضم أكثر الأحزاب الإسرائيلية تطرفاً لائتلافه الحاكم. ولم يفكك ذلك الصدع النادر سوى المحكمة العليا الإسرائيلية التي حظرت ترشح الحزب في الانتخابات.

أما شباب اليهود الأمريكيون، فيرفضون الكثير من السياسات الإسرائيلية خصوصاً ما ينتهك منها القانون الدولي وحقوق الإنسان ولا يتورعون عن الإفصاح عن تلك الانتقادات في العلن.

ثانياً، فإن ساندرز ليس وحده الذي وجه انتقادات لإسرائيل، إذ شاركه في ذلك عدد من المرشحين الديمقراطيين، بدءاً بإيمي كلوباتشار ووصولاً لبيتو أوروك، الذي كان الأكثر حدة على الإطلاق في انتقاده لتعهد نتنياهو بضم مستوطنات الضفة الغربية حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي صراحة «بالعنصري»، رغم تأكيده على الأهمية القصوى للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

ثالثاً، فقد صار واضحاً أن هناك قلقاً لدى بعض قيادات الحزب الديمقراطي من أن يؤدي ضم مستوطنات الضفة لتعميق الصدع بين الحزب الديمقراطي والحكومة الإسرائيلية.

وهو الصدع الذي برز بسبب علاقة نتنياهو الوثيقة بترامب، الأمر الذي دفع قيادات بعض المنظمات اليهودية الأمريكية الليبرالية لمخاطبة الإسرائيليين ودعوتهم لمعارضة ضم المستوطنات باعتبارها مضرة بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

لكل تلك الأسباب، يظل السؤال الرئيسي، هل من الممكن أن تؤدي تعقيدات الداخل الأمريكي لتحييد حملة إيباك ضد برني ساندرز وفتح نقاش علني داخل الولايات المتحدة بخصوص سياسات إسرائيل؟ هذا هو السؤال الذي ستجيب عنه الشهور القادمة، من الآن وحتى انطلاق الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية أول العام القادم.

Email