إسرائيلية القدس والجولان في صفقة القرن

ت + ت - الحجم الطبيعي

اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب خلال فترة رئاستها الوجيزة قرارين استفزازيين غير مسبوقين يتميزان بجرأتهما عن مستوى ما اتخذته الإدارات التي سبقتها بشأن الصراع العربي الإسرائيلي. فبعد قرارها الأول في ديسمبر 2017 اعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل ونقلها في ضوء ذلك سفارة بلادها إليها تعلن في مارس 2019 عن القناعة بتبعية هضبة الجولان السورية المحتلة للسيادة الإسرائيلية. قراران لم يحظيا بأي تعاطف دولي لكنهما من ناحية أخرى لم يحظيا بمعارضة أمريكية داخلية تذكر، وهو ما يتطلب بعض التوقف لأهميته على مستقبل الشرق الأوسط.

لم نلمس في سياق الردود على القرار الرئاسي الأخير بشأن اعتبار الجولان أرضاً إسرائيلية سوى تعليقات لا ترقى إلى مستوى المعارضة منها ما صدر عن وكالة بلومبرغ الإخبارية الأمريكية من تحذير بأن هذا القرار قد يضع عقبات جدية أمام الحلول السلمية للصراع العربي الإسرائيلي.

ولمسنا كذلك تعليق قلة من الساسة الأمريكيين البارزين في الشأن العربي الإسرائيلي، وعلى رأسهم دينيس روس الذي سبق وأن شغل مناصب مهمة كمساعد للرئيس أوباما لمدة سنتين ومستشار لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والذي يشغل حالياً منصب مستشار في معهد واشنطن، تعليق يصب في الاتجاه ذاته مع عدم استبعاده قيام إسرائيل بضم بعض أراضي الضفة الغربية إليها تلبية لضغوطات اليمين المتطرف في صفقة تعيد انتخاب نتنياهو. هذه الملاحظات أو التحذيرات إن صح التعبير لا تدخل تحت باب الخلاف أو المعارضة في الموقف حول مبدأ التجاوز على القوانين الدولية.

لم تخفِ الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ نشأة إسرائيل وبشكل أدق منذ حرب 1967 تعاطفها معها بل انحيازها الكامل لها إلى حد غض الطرف عن تجاوزاتها المستمرة على الأعراف والقوانين الدولية، إلا أنها من جانب آخر حرصت على إدامة قدر من التوازن في مواقفها العلنية يجنبها الغضب والزعل العربي.

إلا أن مجريات الأمور على الساحتين الإقليمية والدولية قد تغيرت، فلم تعد مصالح الولايات المتحدة ترتبط بواقع العالم العربي النفطي بالقدر الذي كانت فيه قبل تفجر قدراتها على إنتاج النفط بكميات تجارية عبر ابتداعها تقنية التصديع المائي للصخور المشبعة بالنفط في باطن الأرض وبكلفة مقبولة.

كما أن نزعة الرئيس ترامب الشخصية للتميّز والتفرّد تدفعه للخروج عن نسق التشابه مع من سبقوه، فهو لم يسمح في ضوء ذلك ببقاء الموقف الحقيقي لإدارته من الصراع العربي الإسرائيلي طي الملفات السرية، وفضّل الإفصاح عنه في ضوء تقديرات بأن الغضبة العربية ستكون في حدود مقبولة تتضاءل تدريجياً مع التفهم ثم التأقلم مع الواقع الجديد في أطر توازنات جديدة تحكمها ضوابط لا تمت بصلة إلى حقبة الصراع العربي الإسرائيلي المتشنجة.

بعد هذين الحدثين الكبيرين اللذين من المستبعد جداً أن يتأتيا من دون تخطيط مسبق لحمل الرئيس ترامب لسدة الحكم، ليبدأ باتخاذ خطوات منظمة ومتتالية تهدف لإضعاف المنظمات الفلسطينية وإغلاق مقراتها وقطع المعونات المالية عنها، يُطرح التساؤل عما يمكن أن تأتي به ما تسمى صفقة القرن التي أعلن الرئيس الأمريكي عزمه على طرحها، من دون التطرق إلى تفاصيلها.

فهناك إجراءات مهدت لما هو أبعد من حسم مستقبل القدس والجولان، حيث اتخذت وزارة الخارجية الأمريكية في أبريل 2018 قراراً خطيراً يعبر عن نقلة نوعية في رؤية إدارة الرئيس ترامب لمستقبل الشرق الأوسط ودور إسرائيل فيه، حين أقدمت على شطب مصطلح «أرض محتلة» من التقارير الصادرة عنها والتي يرد فيها ذكر الضفة الغربية وهضبة الجولان بناء على مقترح السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان الذي يشغل في الوقت نفسه مع صهر ترامب غاريد كوشنر وآخرين الدائرة الضيقة التي يعتمدها ترامب لإنضاج قراراته بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، وكان له دور مهم في إصدار قرار ضم الجولان لإسرائيل حسب اعتراف الرئيس ترامب نفسه.

ففي التقرير السنوي الأخير عن حقوق الإنسان الذي صدر عن الخارجية الأمريكية في الثالث عشر من مارس المنصرم تغيرت الصيغة التي يشار بها عادة إلى هضبة الجولان في التقارير السابقة من «أرض محتلة من إسرائيل» إلى «مرتفعات تسيطر عليها إسرائيل».

إسرائيلية القدس والجولان ثمرتان لقرار الخارجية الأمريكية ولنا أن ننتظر، ليس طويلاً، لنرى ما سوف يرد بعد الانتخابات الإسرائيلية من قرارات صادمة في سياق عرض ما تبقى من سيناريوهات صفقة القرن.

كاتب عراقي

Email