هل تغير أمريكا نظامها الانتخابي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجدل الدائر اليوم بالولايات المتحدة حول النظام الفريد الذي تتبعه لاختيار الرئيس، لن ينتهي على الأرجح لتغييره، ولكن قد يتم تطويعه في بعض الولايات وليس حتى فيها كلها.

كانت السناتور الديمقراطية، إليزابيث وارين، المرشحة لمنصب الرئاسة لعام 2020، قد أعلنت مؤخراً أنها ستدعم الدعوات الرامية لإلغاء العمل بنظام «المجمع الانتخابي» الذي ينص عليه الدستور لاختيار الرئيس الأمريكي.

وما قالته وارين استدعى تصريحاً من الرئيس ترامب يعارض الإلغاء، الأمر الذي سلط الأضواء بقوة على القضية، بما يضمن أن تظل موضع جدل طوال الحملة الانتخابية.

ورغم أن الدعوة لإلغاء المجمع الانتخابي ليست جديدة، إلا أن الجديد هذه المرة، هو مناقشتها على ذلك المستوى. فهو اليوم نقاش يخوضه الرئيس بنفسه ومعه مرشحون حاليون للمنصب.

والحقيقة أن النقاش حول المجمع الانتخابي صار أكثر كثافة في الأعوام الأخيرة بعد أن أدى مرتين خلال العقدين الأخيرين لأن يتولى منصب الرئاسة المرشح الذي لم يفز بالأصوات الشعبية.

فالمرة الأولى كانت في عام 2000 حين تولى بوش الإبن الرئاسة رغم أن آل جور كان هو الذي فاز بأعلى أصوات الناخبين. وتكرر الأمر نفسه عام 2016 بتولي ترامب رغم فوز هيلاري كلينتون بالأصوات الشعبية، أي أصوات الناخبين.

فنظام المجمع الانتخابي يضمن اختيار الرئيس الأمريكي عبر انتخابات غير مباشرة.

فالناخب الأمريكي لا يعطي صوته بشكل مباشر لأحد المرشحين للرئاسة وإنما يعطي صوته «لمنتخبين» في ولايته، يشكلون مع المنتخبين من الولايات الخمسين ما يسمى «بالمجمع الانتخابي».

والمنتخبون لكل ولاية يساوي عددهم عدد أعضاء الولاية بمجلسي النواب والشيوخ. والمرشح الفائز بأعلى الأصوات «الشعبية» بالولاية، وليس بالضرورة الأغلبية، يحصل على «كل» أصوات الولاية بالمجمع الانتخابي، بينما لا يحصل منافسه على شيء على الإطلاق حتى ولو كان الفارق في الأصوات الشعبية، أي أصوات الناخبين، ضئيل للغاية.

وبسبب تلك القاعدتين، أي قاعدة أعلى الأصوات لا الأغلبية، وقاعدة الفائز يحصل على «كل» أصوات المجمع الانتخابي، فمن الممكن أن يفاجأ الناخبون بأن الفائز بأصواتهم ليس هو الفائز بالرئاسة. ذلك لأن الدستور الأمريكي جعل المجمع الانتخابي هو الفيصل.

فالفائز بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي لا أغلبية أصوات الناخبين يتولى الرئاسة. ويحدث التباين لأن أصوات المجمع الانتخابي تحسب في كل ولاية على حدة، بينما الأصوات الشعبية هي مجموع أصوات الناخبين في الولايات الخمسين.

فعدد الأصوات الشعبية التي حصل عليها المرشح (أ) في كل الولايات إذا ما تم جمعها قد تكون أعلى من المرشح (ب)، ولكنها في ولايات بعينها قد تكون أقل بنسبة ضئيلة من المرشح الثاني، الذي يحصل على كل الأصوات الانتخابية في هذه الحالة.

ولأن عدد أعضاء المجمع الانتخابي في كل ولاية يتحدد بعدد سكانها، فإن نظام المجمع الانتخابي يعطي وزناً ضخماً للولايات محدودة السكان لم يكن من الممكن أن يتحقق لها لولا ذلك النظام.

وهو أيضا نظام يدافع عن المناطق الريفية في مقابل المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية المرتفعة. ولعل هذا تحديداً هو السبب في بقاء العمل بذلك النظام حتى اليوم.

فإلغاء العمل بنظام المجمع الانتخابي يتطلب تعديل الدستور، والذي يحتاج لموافقة ثلثي مجلسي النواب والشيوخ ثم موافقة ثلاثة أرباع الولايات. ولأن الولايات الصغيرة سكانياً لها مصلحة في بقائه، فهي لن توافق على أي تعديل للدستور لإلغائه.

لكن الولايات صاحبة الكثافة السكانية المرتفعة فضلاً عن قاطني المدن الكبرى يرون أن نظام المجمع الانتخابي يقلل من قوتهم التصويتية.

لكن لأن تلك الولايات والمناطق الحضرية الكبرى تدرك صعوبة اللجوء لتعديل الدستور، فقد ابتدعت وسيلة أخرى، حيث لجأت لحل المعضلة عبر تشريعات الولايات.

فبدلاً من أن تذهب أصوات المجمع الانتخابي للفائز بأصوات الناخبين في الولاية، يسعى هؤلاء لإصدار تشريعات، في كل ولاية على حدة، تلزم الولاية بأن تعطي أصوات المجمع الانتخابي فيها لمن يحصل على أعلى الأصوات الشعبية في الولايات الخمسين.

وتوجد تشريعات بذلك المعنى معروضة بالفعل على المجالس التشريعية في 16 ولاية، وافقت منها بشكل نهائي 12 ولاية تضم كبرى الولايات من حيث عدد السكان مثل كاليفورنيا ونيويورك.

إلا أن تلك التشريعات المحلية لن تحدث التغيير الذي يقضي على التباين بين الفائز بالأصوات الشعبية والفائز بالأصوات الانتخابية، ليس فقط لأن عدد الولايات التي أقدمت عليها لا يزيد عن 16 ولاية فقط من أصل خمسين ولاية، وإنما لسبب آخر أكثر أهمية.

فصحيح أن الولايات الست عشرة تضم كبرى الولايات من حيث عدد السكان، إلا أنها لا تملك مجتمعة أغلبية أصوات المجمع الانتخابي، الذي سيظل، دون تعديل الدستور الأمريكي، هو الفيصل في تحديد رئيس الولايات المتحدة.

Email