دمامل التاريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

تظهر على جسد الإنسان، لأسباب متعددة، بثور تكبر وتمتلئ بالقيح تدعى الدمامل ومفردها دمل. وكما تظهر الدمامل على جسد الكائن الإنساني تظهر أيضاً على جسد التاريخ البشري.

فكل تاريخ لا يتعرض لشمس الحقيقة ولا لرياح التغير، ولا يغتسل بالمعرفة والحرية ليتخلص من الأوساخ التي تتراكم على جسده، تنمو الدمامل عليه، وتفوح منه رائحة العفن.

وإذا ما امتلأ جسد تاريخي ما بالدمامل فإن القيح سيتسرب إلى شرايينه ولا يعود لأي دواء أن يفعل في شفائه، ويلفظ أنفاسه الأخيرة.

وهذا يعني بأن أي إصلاح بعد أن تنتشر الدمامل على الجسد التاريخي كله، أي على الدولة والمجتمع والقيم، لا يعود مجدياً إطلاقاً.

وتمثل السلطة في إيران اليوم، شكلاً ومضموناً، أكبر الدمامل على جسد التاريخ المعاصر، السلطة في إيران دمل قديم عدواني، وكل أدواتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من البلدان، وكل ميليشياتها، قيح صديد يخرج من رأس دملها. وبالتالي فإن اتقاء شر القيح الإيراني الذي يظهر في مجتمعاتنا أمر في غاية الأهمية التاريخية، وليس مجرد اتقاء شر مؤقت.

والحق أقول لكم: إن أخطر أنواع الدمامل الآن التي تعيش على جسد تاريخنا العربي المعاصر دملان: دمل التعصب الديني العنفي بكل أشكاله من جهة، وعنف الدكتاتورية الحاكمة من جهة أخرى.

بل يمكن أن نقول بكل اطمئنان بأن كل حزب ديني سلمي أو عنفي، سواء كان يهودياً أو مسيحياً أو إسلامياً أو بوذياً هو نقيض مطلق لمعنى الإله واعتداء صارخ على الإنسان وعلاقته بربه.

فتحويل الإله إلى إله جماعة، وتبرير الجرائم باسم احتكار الإله مخالفة لكلية الإله. لأن كل المعتقدات الدينية تنظر إلى الإله بوصفه إله العالمين أجمعين.

واعتداء على حق الإنسان في حب الله كما يشاء لأن الحب الأصل في علاقة الإنسان بالإله.

أجل ولهذا فكل الأحزاب الأصولية المتعصبة دينياً والسلطات الدينية وميليشياتها أعداء لله وللإنسان، كلها جميعها بلا استثناء دمامل على جسد تاريخنا تنز بالقيح الصديد كما قلنا.

ولعمري بأن وقاية العقل من أن تصيبه عدوى هذا الخطر طريقة أنجع من مواجهة الخطر بعد حدوثه.

أما دمل الدكتاتورية فهو الآخر من أخطر أنواع الدمامل على جسد تاريخنا العربي المعاصر وأية ذلك إخفاؤه لقيحه بشعارات خلابة، في الوقت الذي يسمم قيحه أجساد الدول والمجتمعات والأوطان.

فالدكتاتور دمل الدمامل، يحيط نفسه بدمامل تعتاش من قيحه، وتحول دمل الدمامل إلى مقدس أشر، وتحمل الناس على أن يكونوا في خدمة هذا المقدس المدنس.

فالدكتاتور هو عدو حقيقي للإله وللإنسان معاً. فهو عدو للإله لأنه يضفي صفة القداسة على نفسه، وصفة الكمال على لغوه، ويحمل الناس على الركوع له. وهو عدو للإنسان لأنه يسلب الإنسان أهم ما يملك، الحرية والكرامة.

ولهذا نجد التشابه بين سلوك الدكتاتور وسلوك الحركات الدينية المتعصبة. كلاهما يتوسل العنف أداة لقهر الإنسان. عنف يصل حد القتل والإبادة. ولهذا لا يتوهم أحد من أن الصراع الذي يقوم بين الدكتاتوريين والأصوليين هو صراع محمود، بل هو مذموم لأنه صراع بين دمامل متشابهة. وليس خيار التاريخ بين دملين، بل في التحرر من أي دمل على جسد التاريخ، وتنظيف حياتنا من قيوحها.

ولهذا فلا حرية ولا كرامة ولا تسامح ولا معرفة ولا أمان بدون التحرر من الأصولية والدكتاتورية. ويجب ألا ننسى بأن كل دكتاتور هو أصولي. وكل أصولي هو دكتاتور.

* كاتب فلسطيني

Email