قمة شرم الشيخ.. أوروبا تنصت للعرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

مجيء قادة أوروبيون ورؤساء حكومات إلى منطقة الشرق الأوسط وحضورهم قمة شرم الشيخ في مصر التي انتهت أعمالها منذ يومين، والجلوس مع العرب يمكن اعتبارها استفاقة أوروبية متأخرة لنصائح عربية منذ زمن على أهمية التحاور بينهما لأن القضايا والأزمات التي تحدث تؤثر على الطرفين.

ويمكن اعتبارها رسالة عكسية من الأوروبيين محملة بعدد من الدلالات والمعاني أهمها: الرغبة الحقيقية في الاستماع إلى وجهة النظر العربية في القضايا التي كانت تبدو لهم أنها تخص دول منطقة الشرق الأوسط والعرب خاصة ولكن باتت تشكل معاناة في المجتمع الأوروبي، سياسياً واقتصادياً، على رأسها «أم الأزمات» الهجرة غير الشرعية.

فغير أن هذه الهجرات التي زادت مؤخراً بشكل ملفت كنتيجة طبيعية لحالة الفوضى التي تعم دول المنطقة المجاورة لأوروبا، فإنها تسببت في حالة عدم استقرار المجتمع الأوروبي من خلال تراجع النمو الاقتصادي والبطالة والفقر ما أدى إلى حالة من التظاهرات المستمرة، فرنسا مثال، بل إن تلك الهجرات كانت السبب في صعود التيارات والقوى السياسية المتطرفة وبات صوتها السياسي هو الأعلى هناك خاصة بعد أن وجدت الدعم من الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة دونالد ترامب.

البحث في أساليب ضبط وسيطرة استفحال هذه التحديات والتقليل من تأثيراتها السلبية يحتاج للاستماع إلى الصوت العربي ليس فقط كونه الشريك في الطرف الآخر من البحر المتوسط وإنما لأن لهذه الدول تجربتها الخاصة، خاصة مصر، أثبتتها من خلال تراجع حالة الإرهاب والتطرف من خلال التعامل مع هذه الملفات بالواقعية السياسية التي بعضها وجدت انتقادات من الأوروبيين أنفسهم في مواجهة محركي الفوضى بحجة الدفاع عن الحريات والحقوق مع أن الاستقرار هو الأبدي والأهم في أي معالجة لمشاكل تنموية، لهذا حمل المؤتمر العربي الأوروبي عنوان: الاستثمار في الاستقرار.

الأوروبيون حالياً بحاجة إلى الابتعاد بعض الشيء عن المثالية السياسية التي استغلت بشكل سيئ من قبل بعض التنظيمات السياسية الدينية مثل: الإخوان المسلمين وبعض التنظيمات التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، وكذلك الابتعاد عن تأثير اللوبي الإيراني في أوروبا الذي يمارس دوراً في تشويش الفكر الغربي عن المنطقة وتشويه العلاقة مع العرب، وقد حملت كلمات القادة بعض الصراحة في هذه النقاط.

لهذا، فإن ما حصل في الدول العربية من فوضى أمنية وسياسية يتحمل الأوروبيون وحكوماتهم جزءاً كبيراً من مسؤوليته.

المهم أن قادة أوروبا، جميعهم تقريباً، باتوا يدركون شيئين اثنين، الشيء الأول: أن استقرار مجتمعاتهم مرتبط بشكل كامل بالتطورات الحاصلة في العالم العربي ولا بد من التعاون معهم لإيجاد حل مشترك من خلال الاستفادة من الأفكار والأوراق التي يمتلكونها والتي قد لا تتوفر للأوروبيين، خاصة وأن ـ العرب ـ استطاعوا أن يقللوا من تأثيرات الإرهاب وتحقيق السيطرة النسبية لعملياتهم.

الشيء الثاني الذي بات الأوروبيون يدركونه: أنه لا يوجد طرف مستفيد من هذه الفوضى إلا النظام الإيراني، الذي بات يتخلخل بعد أن قدم وزير خارجيته استقالته يوم أمس كنتيجة لحالة الصد العربي لمشروعاتهم، وبالتالي فإن التنسيق المشترك هو الأفضل وهو الشيء الذي كان الأوروبيون لا يعطونه اهتماماً كبيراً لكن أن يأتي قبولها متأخراً أفضل من ألا يأتي بالكامل.

وقد بانت جديتهم ـ الأوروبيين ـ في المساهمة لإيجاد حلول لكل الأزمات وفي الرغبة في إيقاف تلك الهجرات «أم الأزمات الأوروبية» سواءً كان ذلك باستخدام القوة كما تطرحه إيطاليا أو بالإغراءات المالية من خلال خلق فرص عمل حقيقية في الدول المصدرة وهي وجهة النظر البريطانية والألمانية.

الأوروبيون هذه المرة وكما يبدو من المناقشات التي امتازت بالصراحة من خلال خطابات القادة العرب ومن مواقف الدول الأوروبية، أنها لم تكن في جانب إلقاء الدروس علينا في كيفية معالجة الأزمات، كما هي العادة التي جرت عليها في التعامل مع العرب أو الشرق أوسطيين، فهي كانت في موقف المستمع وجاءت إلى شرم الشيخ من أجل الإنصات إلى وجهة النظر العربية.

 

 

Email