«عرائس داعش» لا يشعرن بالندم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أعرف إلى أي مدى سيصل الجدل بين الحكومة البريطانية والفتاة ذات الأصول البنغالية شميمة بيجوم، بعد أن سلمت وزارة الداخلية عائلة شميمة رسالة تفيد بإسقاط الجنسية عنها، مع احتفاظ العائلة بحق استئناف الحكم إذا أرادت ذلك، وذلك بعد تصريح تسنيم أكونجي، محامي العائلة، بأن عائلة بيجوم شعرت بخيبة أمل كبيرة من جراء القرار الذي اتخذته وزارة الداخلية، وأنهم يدرسون كل السبل القانونية للطعن في القرار.

شميمة، التي تطلق عليها الصحافة البريطانية «عروس داعش»، كانت قد انضمت إلى التنظيم الإرهابي قبل أربعة أعوام، وتزوجت داعشياً من أصل هولندي، وبعد اعتقال زوجها هربت إلى مخيم للاجئين شمال سوريا حيث أنجبت طفلاً، وما زالت تقيم هناك بانتظار المجهول بعد سحب جنسيتها البريطانية، وبعد أن أكدت بنغلاديش، عبر وزارة خارجيتها، أن الشابة البريطانية، التي انضمت إلى تنظيم داعش في سوريا، لا يحق لها الحصول على الجنسية البنغالية، وبعد مناشدة شميمة السلطات البريطانية إعادة النظر بقرار سحب جنسيتها، وكشفها أنها تدرس طلب الجنسية الهولندية، كون زوجها الداعشي ينحدر من هذا البلد، وهو حالياً معتقل لدى قوات سوريا الديمقراطية.

الجدل الذي رافق قضية شميمة، التي ما زالت تتفاعل في وسائل الإعلام البريطانية، يرجع إلى كونها قد أكدت في مقابلات صحافية أنها لا تشعر بالندم لسفرها إلى الرقة قبل 4 سنوات لأنها عاشت أياماً جميلة، بحسب وصفها، كما أنها تعرفت إلى زوجها الذي تحب في «أرض الخلافة» المزعومة، وهو ما أدى على الأرجح إلى حرمانها من الجنسية البريطانية.

والد شميمة، عباس حسين، انتقد السلطات البريطانية قائلاً إنها لم تتعاون مع عائلته من أجل إعادة ابنته. لكن الأب هو الآخر مثار جدل، فقد رافق ابنته عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها إلى احتجاجات عدة نظمتها في بريطانيا جهات متهمة بالإرهاب. وبحسب مراقبين، قد يكون هو أحد أسباب التحاقها بتنظيم إرهابي عابر للحدود.

شميمة بيجوم، البالغة من العمر 19 عاماً الآن، كانت قد أثارت جدلاً عام 2015 عندما غادرت منزلها في شرق لندن وهي في الخامسة عشرة من عمرها، نهاية شهر فبراير 2015 برفقة صديقتين لها، هما خديجة سلطانة البالغة من العمر 17 عاماً وقتها، وأميرة عباسي البالغة من العمر 15 عاماً وقتها.

وقالت الشرطة البريطانية إنّ الطالبات الثلاث، تبعن صديقة لهنّ، هي شارمينا بيجوم، كانت قد ذهبت في ديسمبر 2014 إلى سوريا للانضمام إلى تنظيم «داعش». وتبين بعد ذلك أن الفتيات الثلاث قد وصلن إلى سوريا عبر الحدود التركية بواسطة أحد المهربين، وانضممن إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، وتزوجن مقاتلين دواعش.

قضية شميمة بيجوم تطرح من جديد السؤال عن سر انجذاب هؤلاء الفتيات الصغيرات إلى هذه التنظيمات الإرهابية الدموية، وعن سر إعجابهن بمقاتلي هذه التنظيمات الذين يبدون من مظهرهم وكأنهم قادمون من الكهوف أو منحدرون من القرون الوسطى، وعن عدم شعورهن بالندم رغم اكتشافهن مساوئ هذه التنظيمات، التي اعترفت بعض هؤلاء الفتيات بها.

فعدم تعبير شميمة عن ندمها على الانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابي يثير جدلاً حول أسباب الإيمان بالتنظيمات الإرهابية، خاصة لدى هؤلاء الفتيات الصغيرات اللواتي وُلِدن وترعرعن في دول غربية مثل بريطانيا وفرنسا وكندا، وتلقين تعليمهن في هذه الدول، وتشرّبن الثقافة الغربية منذ نعومة أظفارهن، ولم تنشأ بينهن وبين بلدانهن الأصلية رابطة، اللهم إلا رابطة الجذور.

فهل هي المعاملة التي يتعرضن لها في هذه المجتمعات بسبب أصول بعضهن العرقية وانتماءاتهن الدينية، أم هو الإغواء الذي تمارسه آلة الدعاية للتنظيمات الإرهابية، وهي آلة قوية تستخدم أحدث وسائط التواصل الاجتماعي، وتجعل هؤلاء الفتيات الصغيرات يندفعن إلى الجري خلف الحلم الذي تصوره لهن الأساطير القديمة، وتجعل من صورته مبهرة لمثل هؤلاء الفتيات الصغيرات، حتى إذا ما أفقن على الواقع، بعد أن تكون حياتهن قد تغيرت تماماً، ظل الحلم يطاردهن، ويدفعهن إلى التمسك به مهما كانت النتائج؟

ما يلفت النظر أنه في الوقت الذي جردت فيه بريطانيا شميمة بيجوم من جنسيتها البريطانية لانتمائها إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريدة على حسابه في تويتر، هدد فيها بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودولاً أوروبية أخرى بإطلاق سراح 800 أسير داعشي.

ودعا الرئيس الأمريكي في تغريدته الدول الأوروبية، وخصوصاً بريطانيا، إلى استقبال مواطنيها المتشددين المعتقلين في سوريا ومحاكمتهم فيها، محذراً من أن الولايات المتحدة قد تضطر للإفراج عنهم، مشيراً إلى أن خلافة «داعش» تتجه إلى السقوط، والبديل ليس جيداً، لافتاً إلى أنه لا يريد انتشار الدواعش في أوروبا، المكان المتوقع أن يذهبوا إليه، مضيفاً أنهم يفعلون الكثير وينفقون الكثير من الوقت ليقوم الآخرون بتأدية مهمة هم قادرون على تأديتها.

فهل هو فصل جديد يضاف إلى فصول هذه المسرحية التي يبدو أنها تحتوي الكثير من الأسرار التي كشفت القليل منها تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين، بينما تواصل إضافة أسرار جديدة لها تصريحات المسؤولين الحاليين وتصرفاتهم التي تتناقض مع الرغبة في القضاء على هذا التنظيم الإرهابي المثير للجدل؟

سوف يذهب آباء داعش، طال الزمن أو قصر، وسوف تذهب عرائس «داعش»، ندمن أو لم يندمن، بعد أن يفرخوا دواعش صغاراً، من يضمن لنا أن لا يتحولوا في زمن قادم إلى وحوش أشد شراسة من آبائهم وأمهاتهم؟

 

 

Email