سلطة العلم

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعرّف العلم بأنه كل معرفة جرى التحقق منها اختبارياً (تجريبياً) واستدلالياً (استنتاجياً). والمعرفة العلمية معرفة بالواقع، وتسمح لنا بتفسير الظواهر الطبيعية والاجتماعية والسيكولوجية، وليس هذا فحسب، فإنها تساعدنا على التوقع أيضاً.

وحين يتحول العلم إلى تقنية، فإن هذه التقنية تساعدنا على السيطرة على الواقع والتحكم به، وتسهل علينا عملية إنتاج المعرفة من جهة، وإنتاج الخيرات المادية، والسلع التي تلبي حاجاتنا من جهة ثانية.

إن أحداً من الناس العقلاء لا يستطيع أن يتخيل الحياة اليوم من دون علم الفيزياء والميكانيك والكيمياء والبيولوجيا وعلم المعلوماتية وعلم الاجتماع وعلم النفس ووووالخ.

صحيح بأننا نحن الذين نبتدع العلوم، لكن العلوم جميعها تصبح سلطة يجب الخضوع إليها، فالعلم بهذا المعنى سلطة نخضع لها بإرادة منا، ولا نشعر باستبدادها، إلا إذا استُخدمت في غير محلها. وهذا يعود إلى النزعات غير الإنسانية التي تحول نتائج العلم إلى أدوات قهر.

فأدوات التعذيب الكهربائي التي تستخدمها السلطة الطاغية في السجون هي في النهاية ثمرة من ثمرات المعرفة العلمية، وقسْ على ذلك.

يطرح علينا قولنا السابق مسألتين يجب على جميع الدول والمجتمعات الانتباه إليهما.

المسألة الأولى: قوة العلم بوصفها تعبيراً عن قوة الدولة ومنعتها وسعادتها.

فقوة الدول لم تعد وقفاً على مساحتها وعدد سكانها وثرواتها الطبيعية فقط، بل وعلى درجة تقدمها العلمي. بل إن دولة صغيرة بعدد سكانها ومساحة أرضها قد تغدو من القوة والتقدم، بسبب تقدمها العلمي، أكثر بما لا يقاس من دولة تفوقها عدداً ومساحة أضعاف مضاعفة.

إن السؤال عن قوة المجتمعات اليوم هو السؤال عن عدد مراكز البحوث العلمية والاكتشافات والاختراعات والصناعات الإلكترونية، والتقدم في العلوم الإنسانية والأساسية. وكل دولة ستتخلف عن ركاب التقدم العلمي الآن محكوم عليها بالانحطاط، والانحطاط ضرب من الفناء.

المسألة الثانية: هي القوة الأخلاقية للعلم. فالعلم بوصفه سلطة فإنه يخلق شروط الإذعان له، ولكنه إذا تحرر من السلطة الأخلاقية ولَم يخضع لها فإنه يغدو قوة مدمرة إلى جانب قوته البنائية. والسؤال الأخلاقي للعلم ينحصر في الصيغة الآتية التي لا لبس فيها: كيف يكون العلم سلطة في خدمة وسعادة الإنسان؟

وربط العلم بالسعادة، يحول دون تحول العلم إلى أداة ربح مادي وتدمير بشري.

فالأسلحة الكيميائية والجرثومية والذرية.. الخ، هي في النهاية ثمرة العلم، ولكن أي سعادة جنتها البشرية من هذه الأسلحة؟

فربط العلم بسعادة البشر يزيد من الدافع نحو الاكتشاف والاختراع، فالطب مثلاً والمرتبط بالعلوم الحيوية، ذو ارتباط يومي بحياة الجسد، وسعادة الجسد الخلو من المرض أو البرء من المرض سعادة هائلة، يجب ألا ترتبط بقدرة الناس على توفير أسباب الاستفادة من هذا العلم.

فالارتباط بين سلطة العلم المعرفية والسلطة الأخلاقية إحدى أهم المسائل التي يجب أن تشغل الدول والمؤسسات العلمية.

بقي أن نقول: إن العلم ليس مجرد معلومات علمية فقط، وليس مجرد وسيلة لتحقيق السعادة البشرية فقط، وإنما هو أيضاً مصدر مهم جداً لتكوين الوعي العلمي بالعالم، الوعي الذي يزوّد البشر بالنزعة الموضوعية لرؤية العالم. فالوعي العلمي بالتعريف هو نقل العلم إلى طريقة في النظر إلى أمور الحياة العملية.

والتحرر من التعصّب. وهنا تنشأ ضرورة تعميم نتائج العلوم الإنسانية والاجتماعية على أوسع نطاق، وعلى أفراد المجتمع بكل فئاتهم. هو ذَا العلم وهي ذي سلطته، والطريق إليه واضحة لمن أراد السير.

* كاتب فلسطيني

‏‫ ‬‬

 

Email