حالة الاتحاد المنقسمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«أعضاء الكونغرس: لي الميزة الرفيعة والشرف المميز أن أقدم لكم رئيس الولايات المتحدة». بهذا التقديم من قبل رئيس مجلس النواب، يبدأ الرؤساء كل عام بخطاب حالة الاتحاد، والذي يعرضون فيه حالة الاتحاد والبرامج التي يعتزم الرؤساء تقديمه في تلك السنة من الفصل التشريعي.

وفي هذه السنة صعد الرئيس دونالد ترامب للمنبر لإلقاء الخطاب على الكونغرس، ولكنه لم ينتظر التقديم المعتاد من رئيس مجلس النواب، أو الخصم اللدود نانسي بوليسي.

وتوشحت النساء من أعضاء الكونغرس بالبياض إحياء لحركة منح النساء حق التصويت قبل قرن. وكان واضح مدى المكاسب التي حققنها هؤلاء النسوة في الفصل التشريعي الحالي بالمساحات البيضاء، التي احتلت مقاعد الكونغرس بما فيها ثالث أعلى منصب في الولايات المتحدة المتمثل في رئيس مجلس النواب.

ورغم ما شاهدته الساحة السياسة الأمريكية من استقطاب حاد منذ انتخاب ترامب، إلا أن الرئيس آثر أن يلوح بغصن الزيتون للمعارضة في الكونغرس. وعرض عليهم التعاون البناء من أجل الوطن والترفّع عن الحزبية الضيقة. وقال إن «الأجندة التي أقدمها هذا المساء هي ليست جمهورية أو ديمقراطية، إنها أجندة الشعب الأمريكي».

وحث الرئيس على تجسير الهوة وبناء ائتلاف جديد لإطلاق العنان لمقدرات الولايات المتحدة ومستقبلها الباهر. ولم يخرج عن النص كثيراً، والتي هي عادة ما تكون سبباً لمتاعبه، وظل يقرأ خطابه المكتوب من شاشة العرض.

ورغم ذلك فإن محتوى خطاب الرئيس فاض بالنقاط الخلافية بشأن الهجرة والتي أدت إلى إغلاق الحكومة الفيدرالية لمدة خمسة أسابيع، وحرم ثمانمائة ألف موظف من رواتبهم. وحذر من أن قوافل المهاجرين قادمة إلى الولايات المتحدة مما يعني زيادة متاعب الأمريكيين.

وإذا ما نجحت هذه القوافل في اختراق حدود البلاد فإن العاملين الأمريكيين سيخسرون وظائفهم؛ بل ستتدنى الأجور وتفيض المدارس بالمهاجرين ولن نجد خدمات جيدة في المستشفيات بسبب اكتظاظ المراجعين، وستزداد الجرائم وتستنفد الموارد.

لغة التخويف من المهاجرين لا تعجب الديمقراطيين الذين يتباهون بأنهم حزب الأغلبية السائدة والمعوزة، وإن الولايات المتحدة هي مهد المهاجرين والأرض الموعودة، وكان واضحاً من ردة فعل أعضاء الكونغرس والانقسام الواضح بين الحزبين حول هذه القضية والقضايا الأخرى، وبدأ بعضهم بإصدار أصوات متذمرة من قاعة المجلس.

وواصل الرئيس مطالبة الكونغرس بقبول مقترحه حول الجدار العازل والذي وصفه بالمعقول. وأضاف أن الجدار الأمني له فعالية وأنه سيمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين. وأشار إلى مدينتي الباسو وسان دييغو واللتين وضعتا جدارين عازلين على حدودهما، وحدا من تدفق المهاجرين إلى الصفر مما يعني أن الجدار العازل فعّال في منع الهجرة غير الشرعية.

والجدير بالذكر أن مراقبة ما كان يجرى من تلميحات وإيماءات وأصوات من المعارضة تنم عن مدى الانقسام الذي يضرب هذه المؤسسة السياسية العتيدة، والتي كان يفاخر بها كل مواطن أمريكي. وأصبحت اليوم شبه مختلة، ولا يتوقع أن يستطيع الرئيس تمرير مشاريعه في هذا الكونغرس المعادي له.

وحذر الرئيس من الحزبية الضيقة، وقال: إن بلادنا تشهد حيوية اقتصادية جديدة، وإن هذه الفرصة لن تضيع منا إلا إذا انخرطنا في «حرب حمقاء أو التسييس أو تحقيقات حزبية»، في إشارة واضحة إلى سعي مجلس النواب، والذي يسيطر عليه الديمقراطيون، من ملاحقة الرئيس بتهم متعددة.

ويقول الأمريكيون: إن الخلاف الحزبي ينتهي على سواحل الولايات المتحدة، بمعنى أن في الشؤون الخارجية ليس هناك حزبية، والجميع أمريكيون في مواجهة الخارج، فتحدث الرئيس عن العلاقات التجارية مع الصين وكيف أن زيادة التعرفة الجمركية والتي فرضها على المنتوجات الصينية زادت من إيرادات الخزينة بمليارات الدولارات.

كما هاجم الاتفاقية التجارية بين دول أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة والمكسيك وكندا) والمعروفة باسم نافتا. وقال: إن إحلال الاتفاقية الجديدة بين هذه الدول ستحل كثيراً من المشاكل المحيطة بالاتفاقية القديمة.

وتحدث عن قضيتين خلافيتين تتعلقان بالتسلح النووي، الأولى هي التخلص من الأسلحة النووية لدى كوريا الشمالية، وقد امتدح الرئيس اللقاء بينه وبين الرئيس الكوري والتي أدت إلى نتائج إيجابية، مثل تحرير الرهائن الأمريكيين ووقف الاختبارات النووية، وعدم إطلاق أية صواريخ منذ خمسة عشر شهراً.

أما الثانية فتتعلق بالانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، وقال ترامب: رغم الالتزام الحرفي من قبل الولايات المتحدة بالاتفاقية إلا أن روسيا خرقت الاتفاقية، ولذا قررنا الانسحاب، ويمكننا أن نعد اتفاقية جديدة مع روسيا في المستقبل.

وبشأن منطقة الشرق الأوسط، صدح الرئيس بمقاربته التي أسماها الواقعية المبدئية، والتي تمخضت عنها الاعتراف بالقدس العاصمة الحقيقية لإسرائيل، ولكنه لم يتوسع كيف أن هذه النظرة ستؤدي إلى حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. ولكنه في هذا أصاب عصب حساس لدى المشرعين والذين يتسابقون في دعم إسرائيل بلا هوادة.

وفي المنطقة نفسها لعله حقق نقاطاً أخرى مع الكونغرس، حين هاجم إيران الراعية الأولى للإرهاب، وتعهد بأنه لن يدع النظام الدكتاتوري الفاسد أن يمتلك أسلحة نووية، وعليه انسحب من الاتفاق النووي الكارثي.

الخلاصة: إن خطاب حالة الاتحاد كشف عن مدى الانقسام في المجتمع السياسي الأمريكي، ويبدو أن الحكومة الأمريكية بفرعيها التنفيذي والتشريعي ستظل معطلة، إلى أن تحين انتخابات 2020.

 

 

Email