وقد خاب من افترى

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما حدث من قطر، قبل وأثناء وبعد، زيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية لدولة الإمارات يتجاوز الكذب، ليدخل في باب الافتراء، فقبل أن تبدأ الزيارة أوفد تنظيم الحمدين إلى الفاتيكان من يطالب قداسة البابا باتخاذ موقف إنساني عاجل لصالح من ادعى أنهم ضحايا انتهاكات، وحمل المندوب القطري إلى البابا ما أسماه شكاوى ومعاناة آلاف الأسر، التي ادعى أنها مشتتة، والطلبة الذين ادعى أنهم مطرودون من مدارسهم...

أما منظمة العفو الدولية «أمنستي» فقد ساقت هي الأخرى للإمارات ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وطالبت قداسة البابا بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة الإمارات، لكن قداسة البابا لم يلتفت إلى هذه الافتراءات، وجاء إلى دولة الإمارات حاملاً رسالة سلام ومحبة، وغادرها حاملاً صورة ناصعة عن هذه الدولة وقيادتها وشعبها.

لقد خاب مسعى كل من افترى على دولة الإمارات، وحاول أن يفسد أجواء هذه الزيارة التاريخية، فلم يعر قداسة البابا هذه الافتراءات اهتماماً، ووجد في دولة الإمارات واحة للتسامح والمحبة والاعتدال، ففي الوقت الذي تحتضن فيه الدول التي تفتري على دولة الإمارات غلاة المتطرفين والإرهابيين الهاربين من بلدانهم، وتوفّر لهم الملاجئ الآمنة، وتفتح لهم المنابر الإعلامية التي يصلون من خلالها إلى جمهورهم والجماهير الأخرى، التي يحاولون التأثير عليها، تحتضن دولة الإمارات أصحاب الفكر المعتدل، وتفتح أبوابها لأصحاب العقول المنفتحة على الديانات والثقافات والحضارات الأخرى، وتسعى إلى ترسيخ الأخوة الإنسانية بين البشر جميعاً.

في هذا الإطار اجتمع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وجرى اللقاء في أجواء من المحبة والسلام لا يعرفها أولئك المفترون والذين يُؤونهم من قادة العنف والتطرف، الذين لا يؤمنون إلا بفكرهم التكفيري المتخلف.

لقد حاولت حسابات التواصل الاجتماعي المكرسة لتشويه كل ما هو جميل يصبّ في اتجاه الاعتدال والوسطية أن تنال من هذه الزيارة التاريخية الأولى، التي يقوم بها بابا الكنيسة الكاثوليكية لهذا الجزء من العالم، وهو جزء مهم لأنه يقع في شبه الجزيرة العربية، البقعة التي ظهر فيها رسول الإنسانية محمد، صلى الله عليه وسلم، وانطلقت منها الدعوة الإسلامية لتنتشر في كل أرجاء المعمورة.

حاولوا أن يشوهوا هذه الزيارة بإعادة التذكير بالحروب التي قامت بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية، وهي حروب من ذلك النوع الذي يقع حتى بين أصحاب الديانة الواحدة نفسها، والتاريخ يحفل بحروب لا تعد ولا تحصى بين المسلمين أنفسهم، كما أنه يحفل بحروب وقعت بين المسيحيين أنفسهم أيضاً.

وذهب بعض أصحاب هذه الحسابات إلى انتقاد فضيلة شيخ الأزهر عندما قال في الكلمة التي ألقاها في صرح القائد المؤسس إنه يجب علينا نحن المسلمين ألا ننسى أن المسيحية احتضنت الإسلام حين كان ديناً وليداً، وحمته من طغيان الوثنية والشرك التي كانت تتطلع إلى اغتياله في مهده، ودلل على هذا بلجوء بعض أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى الحبشة في بداية الدعوة، واستضافة النجاشي لهم، وعدم تسليمهم إلى الكفار، فاتّهم صاحب أحد هذه الحسابات الدكتور أحمد الطيب بأنه يزيّف التاريخ، قائلاً: إن هناك مغالطة كبرى في كلام شيخ الأزهر، وإن النجاشي قد حمى مجموعة صغيرة من المسلمين ولم يحم الإسلام، مقارناً بين استضافة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مجموعة من اللاجئين المسلمين، واستضافة النجاشي ملك الحبشة للمسلمين الفارين بدينهم من كفار مكة في بداية الدعوة الإسلامية، فمن هو المغالط هنا؛ هل هو من يحاول أن يذكر المواقف المضيئة من التاريخ، أم هو من يحاول الخلط والتدليس لتشويه مواقف علماء الإسلام المعتدلين الساعين إلى التوفيق لا التفريق، كما يفعل صاحب هذا الحساب المشبوه المدفوع إلى تهييج الشعوب، وإذكاء العداوات بين أتباع الديانات السماوية السمحة؟

لقد حرصت كبرى وسائل ‏الإعلام العالمية على إبراز الحدث، واعتبرته مناسبة تاريخية من أجل ترسيخ الحوار بين الأديان، ونشر التسامح ‏والاعتدال في العالم.

وحدها وسائل ومنابر التحريض على التطرف والعنف والإرهاب وقفت موقفاً مخالفاً، وعملت على تشويه الحدث، وسخّرت أبواقها الناعقة بالخراب للنيل منه، لكن هذا لا يقلل من قيمة هذه الزيارة التاريخية الفريدة، وإنما يكشف النوايا السيئة والخبيثة لأولئك الذين يحاولون أن يظهروا خلاف ما يبطنون، وأن يدعوا أنهم المدافعون عن الإسلام، وهم أول من يسيء له، وأكثر من يشوه رسالته السامية، ويناقض الأهداف النبيلة له.

وفي الوقت الذي أكدت فيه وسائل الإعلام الغربية أن استقبال دولة الإمارات لقداسة البابا يعزز صورتها منارة للتسامح، ونموذجاً للتعايش في منطقة تموج بالاضطرابات الناجمة عن خلفيات دينية وعرقية، أثبت إعلام تلك الدول ومغردوه أنهم من يشعل هذه الاضطرابات بين أصحاب الديانات السماوية، ويجعلهم يتخذون مواقف عدائية من الإسلام وأتباعه.

لقد توجهت «وثيقـة الأخــوّة الإنســانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك» للمفكرين والفلاسفة ورجال الدين والفنانين والإعلاميين والمبدعين في كل مكان، ليعيدوا اكتشاف قيم السلام والعدل والخير والجمال والأخوة الإنسانية والعيش المشترك، وأن يؤكدوا أهميتها طوق نجاة للجميع، وأن يسعوا في نشر هذه القيم بين الناس في كل مكان.

لقد أفلح من فهم هذه القيم على حقيقتها، وسعى إلى نشرها بين الناس في كل مكان، وقد خاب من افترى.

 

 

Email