إيران تراقب الوضع الفنزويلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

حادثة الانقلاب السياسي في فنزويلا التي قسمت البلاد بين رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)، خوان غوايدو، والرئيس نيكولاس مادورو، تنبهنا إلى أهمية العنصر الاقتصادي والوضع المعيشي الداخلي وخطورة تأثيره في تقرير مصير النظام السياسي للبلاد لا سيما تلك التي ما زالت تعتقد أن تجاهل مطالب الرأي العام الداخلي ممكناً.

قد تكون تفاصيل الموقف النهائي للوضع الفنزويلي لم تتضح بعد، على اعتبار أن الجيش لا يزال رافضاً التغيير وهناك دول ما زالت مترددة، إلا أن الموقف الإقليمي هو الأكثر وضوحاً نسبياً، وهو الأهم في مثل هذه الحالات.

ويعتبر الموقف الدولي منقسماً إلى مؤيد (الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا). ورافض (الدول الصديقة المستفيدة اقتصادياً واستراتيجياً من بقاء نظام مادورو) ومن بينها روسيا، التي تعتبر ثاني الداعمين اقتصادياً وعسكرياً بعد الصين المانح الأول لهذا النظام، وإيران التي بدأ (الحديث) حول إمكانية إعادة سيناريو تأثير العقوبات الاقتصادية عليها، خاصة وأن الوضع الإيراني لا يختلف كثيراً داخلياً وجيوسياسياً عن فنزويلا بل يكاد يكون أسوأ.

ليس مؤكداً، حتى اللحظة، ما إذا كان الآخرون سيقبلون بالوضع الجديد في فنزويلا أو أنها ستدخل في لغة المساومات بين القوى الكبرى، لأن في النهاية كل شيء وارد بين الولايات المتحدة وروسيا فإذا كانت أوكرانيا هي الحديقة الخلفية لروسيا فإن الفرصة أتيحت لفلاديمير بوتين لأن «يعبث» في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة وبالتالي لا مانع من تفاهم بين الاثنين، لكن الشيء الذي ينبغي الانتباه له أنه إذا تم التفاهم على الوضع الفنزويلي فهذا ليس شرطاً في حالة تكرر المشهد في إيران على اعتبار أن الوضع في طهران يعطي انطباعاً على انزعاج القوتين الكبيرتين من النظام الإيراني في الملفات الإقليمية.

إذا كانت هناك روايات متعددة في موضوع التأييد على التغيير الجديد دولياً فإن الثابت أن تأثير العقوبات الاقتصادية يتسبب في تغيير المزاج السياسي الشعبي ويتحول من مدافع للنظام إلى غضب عارم عليه، خاصة إذا توفر عنصران مثلما هو موجود في إيران: العنصر الأول، تغير الأجيال حيث أغلب الشعب الإيراني من الشباب ممن لم يدركوا شيئاً عن الثورة الإيرانية والأسباب الحقيقية التي أدت إليها بل إن النتائج الواضحة أن الوضع في عهد الشاه بالمقارنة مع الوضع الحالي أفضل على الأقل في التعامل الدولي.

العنصر الثاني: عندما يستشري الفساد السياسي والاقتصادي في النظام فهذا أمر مهم في تقبل الشعب أي تغيير يحدث ومن الداعم له وإذا أخضعنا هذا العنصر في إيران سنجد أن مطالب الشعب كلها تتركز في تحسين الوضع الاقتصادي والإصلاح السياسي على اعتبار أن مغامرات نظام الملالي الخارجية كانت نتيجتها سيئة على الشعب.

منذ أحداث ما كان يسمى بـ«الربيع العربي» مروراً بأحداث «وول ستريت» والآن في أوروبا لم يعد أحد يجادل على قوة تأثير الاقتصاد في السياسة والسياسيين والانتباه إلى مطالب الشعوب، إلا النظام الإيراني الذي يعتبر خارج التاريخ، فهو الوحيد، والذي يقف أمام هذه القناعة حيث لا يهمه كثيراً وضع شعوبه، لكن ما يحدث الآن في فنزويلا ينبغي أن يراقبه الإيرانيون وأعتقد أنهم يفعلون ذلك فعيونهم مفتوحة بحرص، فهو جرس إنذار ما زالت أصداؤه تتردد في العالم توقظ من على شاكلة ملالي إيران وتنبههم عليه.

يبدو لي أن في الحدث الفنزويلي كلاماً صريحاً عن الاستراتيجية التي تتبعها إدارة ترامب في تغيير سلوك النظام الإيراني من العقوبات الاقتصادية التي تعمل بالتدريج على إضعافه داخلياً من خلال تغيير المزاج السياسي للشعب، بمعنى زيادة «كراهية» الشعب ضده لإضعافه، وإذا لم يتدارك قادة إيران لخطة ترامب فإن خطته ستساعد على زيادة الحصار عليهم وتطويقهم.

يمكن اعتبار فنزويلا حالة نموذجية لمدى فعالية العقوبات الاقتصادية الدولية وكذلك ردود الفعل الدولية والداخلية ويضاعف الأمر أهمية أن فنزويلا هي من الدول التابعة للنفوذ الأمريكي ما يزيد من صعوبة الموقف على الاستراتيجية الأمريكية على عكس إيران.

Email