مبتدأ وخبر الأزمة السورية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحتاج سوريا لما يقارب تريليون دولار لإعادة إعمارها من جديد، وتستغرق عملية الإعمار ما يقارب 10 سنوات، هذا ما أفاد به ملتقى القطاع الخاص الإماراتي- السوري، والذي نظمه اتحاد غرف التجارة والصناعة في أبوظبي قبل أيام، بالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة أبوظبي.

إعمار سوريا، المبتدأ سوريا، وخبرها بلد عربي منكوب، شعبه مُهجر، عانى الصراع لسنوات طوال، ولا أتحدث هنا عن اللغة العربية وقواعد إعرابها، إنما أتحدث عن قضية عربية، فمهما كانت التوجهات السياسية والصراعات الدولية، إلا أننا أمام أزمة شعب يستحق أن يعود إلى وطنه، ويسهم في إعادة بنائه من جديد، أزمتنا هذه، مهما كان خبرها، فلن يكون مبتدؤها إلا سوريا، ويجب ألا نفكر إلا بها ومن أجلها.

الفرص أصبحت سانحة الآن، والتكاتف العربي لإخراج سوريا من أزمتها، بعيداً عن الألاعيب الدولية التي عبثت بهذه الأرض، وإعادة إعمار سوريا صحيح أنه يحتاج لسنوات كثيرة، إلا أن البداية يجب أن تنطلق، فكما كانت البداية للدمار، يجب أن تعود البداية للإعمار، وعلى الشعب السوري أن يفكر في إتاحة الفرصة لفتح صفحة جديدة مع نفسه، ومع من حوله، للنهوض بدولتهم، وإعادتها لأفضل مما كانت عليه سابقاً.

دولنا العربية مسؤولة عن الوقوف مع الشعب السوري في أزمته، وتطهير أراضيه من العابثين، مهما كانت أهدافهم، فمن حق الشعب السوري أن ينعم بدولته، ويشارك في تحديد مصيره، ويعود إلى وطنه، ليعيد إعمار ما فقده خلال هذا الصراع، وفي المقابل، ويجب أن تتاح الفرصة أمام جميع الأطراف للمشاركة في هذا البناء، وإيجاد آلية تسامحية يمكن من خلالها إعادة إصلاح ما أفسده العابثون والمخربون والطامعون.

لنا في هذا العالم تجارب كثيرة عن الأزمات التي تحدث داخل الدول، وما هو مآلها في النهاية، فسوريا ليست الدولة الوحيدة التي دخلت أراضيها أطراف صراع عالمية، ولا هي أول دولة يهجرها شعبها بسبب الحرب الداخلية، فاليونان مثلاً عانت كثيراً في الفترة ما بين (1946 – 1949)، وفيتنام والحرب بالوكالة على أراضيها لمدة عشرين عاماً (1955-1975)، كل هذه التجارب خلفت من بعدها دولاً أكثر صلابة في نسيجها الاجتماعي، ومنها من استطاع أن ينهض، ليصبح دولة عظمى، فمن يتخيل أن الصين اليوم، وباقتصادها الضخم الذي نراه اليوم، كانت تعاني من حرب أهلية في الفترة (1928-1949)، والتي أودت بحياة ما لا يقل عن 10 ملايين شخص، سواء من العسكريين أو المدنيين، وكذلك إسبانيا، ويوغسلافيا، وموزمبيق، كل هذه الدول وغيرها الكثير من الدول عانت الحرب الأهلية، ومنها من نجح في تخطيها، ومنها من فشل.

وصحيح أن الأزمة السورية لا يمكن تصنيفها حرباً أهلية، ولكن يمكن اعتبارها كذلك في العديد من خيوط القضية وتفاصيلها، ولذا، على هذه الأطراف المتنازعة، التصالح في ما بينها، والتصالح المطلوب هنا، تصالح أبدي، وتربية الأجيال القادمة على حب سوريا، وتمهيد عقولهم وتطويرها، لتصبح قادرة على العطاء من أجل وطنهم، فالإعمار لا يعني فقط البنية التحتية، إنما الإعمار الحقيقي، هو إعادة إعمار العقول، خصوصاً أن الذاكرة السورية ممتلئة بصور الدمار والخراب، وستجد داخل كل عائلة سورية، ذكرى مأساوية، وداخل كل طفل سوري، حلم طفولي غاب عنهم، وداخل كل أب سوري، صورة تلك الخيمة المتهالكة، وداخل كل أم سورية، صورة طفل يموت من الجوع أو البرد، هذه هي ذاكرة السوريين عن حالتهم.

إن السلبية التي تشكلت في عقول بعض السوريين، ستنعكس سلباً على واقعهم القادم، ولذلك، يجب أن نتعلم من التجربة اليابانية بعد خسارة الحرب العالمية الثانية، وكيف استطاعت الحكومة هناك، أن تمحو هذه الفكرة السلبية والعدائية من عقول أجيالها، فاليوم، لو ذهبت لليابان، فلن تجد أي ملامح للعدائية تجاه العالم، ولا حتى تجاه الدول التي حاربتهم، وستجد الشعب الياباني من أكثر شعوب العالم تفاؤلاً ورقيّاً، ويبقى التساؤل، هل يستطيع أبناء الشعب السوري أن يمحوا الذكريات المؤلمة من نفوسهم، ويعيدوا تشكيل أفكارهم وعواطفهم وذكرياتهم، على ما يخدم مستقبل وطنهم ومستقبل أجيالهم، تبقى هذه المسألة من أكبر المسائل تعقيداً، والوصول إليها يتطلب إعادة إعمار المنهجية الحياتية السورية.

بمساندة دولنا العربية، وبالاستثمارات الخليجية داخل الأراضي السورية، سنتمكن، بإذن الله، من تحقيق أهدافنا في إعادة إعمار سوريا، والشعب السوري في آنٍ واحد.

Email