«سنرحل يوماً» عن حيهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

«سنرحل.. سنرحل» هذا ما قاله الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي قبل سنوات. وها هو يواصل قرع الأجراس محذراً من أخذتهم عزة القوة بإثم الاحتلال.

أولئك الذين يحاولون تغطية شمس الحق بغربال الحرب، إنهم راحلون عن هذه الأرض التي ليست لهم، راحلون مهما طال الزمن، إذ إن قوة المنطق تغلب في النهاية منطق القوة.

ما من إمبراطورية استعمارية إلا وهزمت في هذا الشرق العربي، رومان ويونان ومغول وتتار وإنجليز وفرنسيون. إسرائيل ليست استثناءً، رغم أنها ليست إمبراطورية بل قائمة على تشويه الحقائق من خلال ماكينة إعلامية ضخمة تجعل من الحبة قبة، ومن القبة ما هو حديدي مدجج بالصواريخ، وما هو حريري مغزولاً بخيوط من الكذب.

عندما عنونت مقال الأسبوع الماضي «بقرة هوليوود المقدسة» لم أكن قد قرأت مقال ليفي في جريدة «هآرتس» بعنوان: «إسرائيل مقدسة يا مارك لامونت هيل».

موجهاً كلامه إلى مارك لامونت هيل الأديب الأميركي والمحاضر الإعلامي في جامعة تمبل في فيلادلفيا ومحلل في قناة «سي إن إن»، والذي طردته «سي إن إن»؛ لأنه دعا في نهاية محاضرة ألقاها مؤخراً في مؤتمر للأمم المتحدة إلى عمل دولي «يمنحنا ما يقتديه العدل، فلسطين حرة، من البحر حتى النهر».

يكتب ليفي: «السماء سقطت، وهستيريا حسنة التدبير اندلعت خلال ساعات». سيت منديل، محرر «واشنطن اغزمنر» قال إن هيل دعا إلى إبادة يهودية جماعية؛ بن شبيرو، محلل «فوكس نيوز»، قال إن هذا كان خطاباً لاسامياً.القنصل داني ديان غرّد بأن أقوال هيل مثل «الصليب المعقوف الأحمر».

والرابطة ضد التشهير أعلنت أن أقواله تعتبر دعوة لمحو إسرائيل عن الخريطة. النتيجة التي لا يمكن منعها لم تتأخر في الوصول: الـ سي إن إن أقالت المحلل المارق في نفس اليوم.

كيف تجرّأ على ذلك؟ ماذا فكّر في نفسه؟ أين يعتقد أنه يعيش، في ديمقراطية فيها حرية تعبير، أو في دولة الحديث فيها عن إسرائيل هو في يد الرقابة الشديدة للمؤسسة اليهودية والدعاية الإسرائيلية؟ هيل حاول أيضاً الادعاء بأنه يعارض العنصرية واللاسامية، وأن دعوته تهدف إلى تأييد دولة ثنائية القومية، علمانية وديمقراطية. ولكن لم يكن أمامه أي أمل.

في الواقع التدميري الذي سيطر على الخطاب في أميركا، ليس هناك مكان لتصريحات يمكنها المسّ بالاحتلال الإسرائيلي. في يوم ليبرالي خاص مسموح في أميركا القول «دولتان»، وهذا بهمس أيضاً.

ما الذي كان سيحدث لو أن هيل دعا إلى إقامة دولة يهودية بين النهر والبحر؟ كان سيواصل بأمان وظيفته.عن الفلسطينيين مسموح الالتفاف في أميركا دون عقبات، الدعوة إلى طردهم وإنكار وجودهم، فقط لا تتجرّأوا على المسّ بإسرائيل، فهي مقدسة، مقدسة، مقدسة، الدولة التي تقف فوق كل اشتباه. كلمة المفتاح هي بالطبع اللاسامية.

في الأسبوع الماضي نشر بضجة كبيرة استطلاع اللاسامية العالمي الذي أجرته الـ سي.ان.ان، وتبين أنهم لا يكرهون اليهود كما كانت إسرائيل تريد: فقط 10% قالوا إن لديهم آراء سلبية تجاههم. تقريباً أربعة أضعاف أكثر لا يحبون المسلمين.

إلى جانب الأجزاء المقلقة في الاستطلاع أيضاً شيء لا بأس به من الحقائق التي لا يمكن إنكارها. 28% من المستطلعين قالوا إن اللاسامية في بلادهم هي نتيجة سياسة إسرائيل.

قوموا بإقالة المزيد من المحللين الذين سيتجرَّأون على انتقاد إسرائيل أو على طرح حلول صحيحة للاحتلال ــ والمزيد من المستطلعين سيجيبون بما يعرفه الجميع: يوجد لليهود وإسرائيل حقاً نفوذ لا يصدق على وسائل الإعلام في الغرب.

الآن سموني لاساميا، يقول جدعون ليفي الكاتب والسياسي الصهيوني الذي فتح عقله على حقيقة، إن الصهيونية في نسختها الحالية طابور من الكذبات ستوصل إسرائيل إلى نهايتها. السياسي المثقف يرى أبعد مما يرى السياسي الدوغمائي شديد العداء لكل من يخالفه.إسرائيل متجهة إلى مزيد من التطرف.

وقد يبدو نتنياهو لاحقاً «حكيماً» بالمقارنة مع من سيخلفه، حسب تقديرات محللين إسرائيليين، وهو وزير التعليم وشؤون الهجرة نفتالي بينيت زعيم حزب «البيت اليهودي».

لكن بينيت نفسه يضع إصبعه على أخطر مفصل في عظم إسرائيل ألا وهو انكشاف الكذبة التي صارت دولة اسمها «إسرائيل» بقوله:

«هناك أزمة كبيرة بيننا (الإسرائيليين) وبين يهود العالم بسبب تحول قطاع منهم عن اليهودية، وهم لم يعودوا مكترثين بإسرائيل».لكأن الإسرائيليين يغنون «سنرحل يوماً عن أرضهم» والفلسطينيون يغنون مع فيروز كلمات هارون هاشم رشيد «سنرجع يوماً إلى حينا».إنها مسألة وقت. فكلما وُلد طفل فلسطيني تحسّس جنرال إسرائيلي جواز سفره!

 كاتب أردني

 

Email