مكالمة من رقم 1971

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحاول أن أتخيل الشعور الذي يمكن أن يسيطر على المواطن العادي في أي دولة في العالم عندما يتلقى اتصالاً من نائب رئيس دولته كي يهنئه بالعيد الوطني لبلاده، كيف يمكن أن يصف ذلك الشعور، خاصة وأنه في حالة عدم الرد على المكالمة الأولى يعاود نائب الرئيس، نعم نائب رئيس الدولة، الاتصال لتقديم التهنئة في إشارة أن الاتصال مقصود وليس مصادفة أو أن رقم المواطن تم اختياره عشوائياً.

التساؤل السابق ليس مقدمة من رواية خيالية أو بصدد الكتابة عنها، ولكنه واقع حقيقي عاشه شعب دولة الإمارات يوم السبت الموافق الأول من ديسمبر الجاري، وكانت المكالمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هنأ فيها شعب دولة الإمارات واحداً واحداً في بادرة تؤكد تميز علاقة قيادة دولة الإمارات مع شعبها.

قد يبدو للبعض من أبناء الدولة اعتيادياً من واقع التواصل شبه اليومي بين القادة والشعب، سواء في المناسبات الاجتماعية أو تقديم واجب العزاء، إلا أن الأمر بالتأكيد ليس بتلك النظرة لدى الشعوب في الدول الأخرى حتى الخليجية وليست العربية أو بقية دول العالم، لذلك ينبغي أن نجد العذر لمن لا يتقبل ما أنقله أو قد يسمعه من الآخرين.

أدرك أن الأمر ليس قابلاً للتصديق، خاصة من الذين لم يعيشوا التجربة يوم السبت أو من هم لم يتعرفوا إلى حقيقة قادة الإمارات، ولكن أنقل ما حدث بالفعل وما يشعر به الإماراتيون في علاقتهم بقادتهم، وللعلم فإن مثل هذا الاتصال رغم ما يمثله من مفاجأة سعيدة إلا أنه يتكرر بصور مختلفة، إما بالتهنئة بنجاح في المرحلة الثانوية، أو في تحقيق إنجاز وطني إماراتي، هي علاقة لا يمكن تفسير سرها بمفردات لغوية مهما بلغت درجة البلاغة فيها، ولكنها أمور تحتاج إلى العيش في الإمارات أو إلى «خيال واقعي» لتتأكد أنها موجودة، المشكلة أن الإماراتيين بدأوا يبدون استغراباً من القادة الذين لا يقومون بما يفعل به حكام الإمارات مع شعوبهم.

علاقتنا في دولة الإمارات مع قيادتنا تحكمها حسابات عدة لا علاقة لها بما تطرحه النظريات السياسية والقواعد المنظمة لها سواء القديمة منها أو الجديدة، أسس تلك العلاقة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان باني الاتحاد الذي - ما زلنا نحتفل بمئويته هذا العام -، فصارت واحدة من القيم الأساسية لهذا البلد النموذج.

فالعلاقة تقوم على تبادل الود من منطلق علاقة أبوية خالصة، والدولة بالنسبة لنا كما وصفها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بـ «البيت المتوحد»، نحن أسرة واحدة، فكما هم يبذلون جهداً في صناعة الفرحة والسعادة للمواطن وكل مقيم في دولة الإمارات، فإن الشعب يرى في قادته مشاعر الوالد الذي ينبغي ألا يعصى أو يتم تجاوزه.

على كل مراقب سياسي ألا يستغرب إذا رأى أو تناهى إلى ذهنه أن قائداً من قمة الهرم السياسي يجري اتصالاً أو يزور مواطناً في بيته لأي سبب كان، لكن كي نكون موضوعيين نحن الإماراتيين عندما نخاطب غيرنا عن علاقتنا بقادتنا، بأن نترك لهم هامشاً ومساحة من الاندهاش والاستغراب إذا لم يقتنع بما يسمعه أو يحكى له في طبيعة هذه العلاقة.

لأن ما يحدث أقرب إلى تنظير في علم الاجتماع السياسي، وفي عهد «جمهورية أفلاطون»، ومن التأكيد أيضاً أن ما يحدث من قادة الإمارات شيء لا يمكن أن يستوعبه عقل إنسان يعيش في هذه الأيام، فالمسألة أقرب إلى المثالية السياسية مع أنه واقع جميل.

من لا يدرك طبيعة علاقة قيادة دولة الإمارات منذ نشأتها في عام 1971، وهو نفس الرقم الذي تلقى منه مواطنو الدولة مكالمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يوم السبت الماضي، يخطئ في تصوراته واعتقاداته، وبالتالي يكون حكمه في غير محله، فتأتي الأحكام بعيدة عن الواقع الإماراتي، لأنهم وإنما يقيسون واقعهم علينا.

لا يوجد في القاموس السياسي الإماراتي «وسيط» بين الشعب والحاكم، فقد استبدل قادتنا عن هذا الوسيط أياً كان بالتواصل المباشر وبسياسة المجالس المفتوحة.

 

 

 

Email