الطائفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بين الطائفة والطائفية فرق كبير، فالطائفة واقعة موضوعية تاريخية، فيما الطائفية وعي تعصبي تجاه الآخر المختلف، أو قل هي عصبية تعصبية.

وإذا كانت الطائفية ثمرة الوعي الطائفي المتعصب، فالطائفة لا تقود بالضرورة إلى الطائفية.

ولقد كتبنا أكثر من مقالة، نحلل فيها الطائفية، وأكدنا أكثر من مرة أن الطائفية مرض اجتماعي سياسي ونفسي.

أجل، هي مرض من أشد الأمراض فتكاً في العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، والبنية النفسية الطائفية بنية نفسية حقدية عنفية، تؤجج الصراعات والحروب، وتأكل الأخضر واليابس. وكل طائفي إن لم يكن قاتلاً فعلاً، فهو مشروع قاتل.

لكن الغرابة ردود فعل بعض الناس الطائفية، عندما نشير إلى بعض مظاهرها وأشكال سلوك الطائفيين، بل، وتُتهم أنت، المحارب ضد الطائفية، بأنك طائفي.

الذي يشير إلى المرض ليس مريضاً فيه يا سادة.

ليقل لي منتقدونا من المختلفين معنا في الرأي: هل الخامنئي مؤمن بمبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي، ونحن لا ندري كي يدافع عن نظام الحكم في سوريا.

هل قوات أبو الفضل العباس قوات تشربت العلمانية حتى تضحي بأفرادها دفاعاً عن النظام السوري الذي يفترض أنه علماني.

هل حزب الله يدافع عن الله في اليمن مع الحوثي؟ كل ما ذكرت من حالات، هي حالات طائفية دون أي لبس أبداً.

هب أن قائلاً يقول إن هؤلاء جاؤوا رداً على داعش والقاعدة. حسناً، لنفترض صحة هذا القول الزائف. ولكن لماذا يكون الرد على داعش رداً طائفياً؟!

داعش - طبعاً - طائفية، ولكن لماذا لم يكن الرد على داعش بحل تاريخي لعملية إنتاج السلطة بعيداً عن المدخل الطائفي، وتأكيد فكرة الحق والمساواة بالحق وأمام قانون الحق؟!

اعلموا أن لا مستقبل إنسانياً لسوريا وكل المنطقة، بوجود أي نوع من أنواع السلط الطائفية. تأملوا ماذا فعل الحكم الطائفي في العراق؟ لقد دمر العراق لعقود طويلة من الزمن باسم أن الشيعة أكثرية.

لا يمكن قيام وطن على أساس أكثرية وأقلية طائفية، بل على أساس أكثرية وأقلية سياسية مدنية. لا يمكن لأي أقلية طائفية أو عرقية أو مناطقية أن تحكم دون أن تدمر الوطن في النهاية.

انظروا ماذا جر الحوثيون على اليمن من مآسٍ ودمار وشرخ اجتماعي، كل ذلك بسبب وعي طائفي متخلف ومسلح، لم تعرفه اليمن في تاريخها.

لبنان الذي أسست سلطة بالأصل على عقد طائفي، لم ينجُ حتى الآن من خطر الاحتراب الطائفي، وبخاصة بعد أن تحوّل حزب الله إلى حركة طائفية مسلحة.

كيف نفسر أن جميع الحركات الطائفية في العراق وسوريا واليمن ولبنان، مدعومة مالياً وعسكرياً من السلطة الأوتوقراطية في إيران؟ أليس هذا مظهر من مظاهر الوعي الطائفي الخطير في بلادنا! الطائفية مشروع سياسي تقسيمي بالضرورة، وذم طائفية الحوثيين وحزب الله وما شابههما، يجب ألا ينسينا ذم الإسلاموية السياسية العنفية وغير العنفية.

استفيقوا أيها العرب. من ذا الذي يقدر في المستقبل على مداواة الجراح العميقة التي ولدتها الطائفية؟

كم جيل سيمضي قبل أن تستعيد شعوبنا ابتساماتها، والقبور قد ملأت الأرض بفعل النزعة الطائفية.

لا مستقبل لبلاد الشام والعراق واليمن دون هوية وطنية، تجعل من الاختلاف ثراء، في ظل الحق المتساوي في الحرية والديمقراطية والعيش المشترك.

ترى من ذا الذي باستطاعته أن يدعي أي نزعة إنسانية كانت، وهو مثقل بأحقاد الماضي. بل قل كيف للذي خلق الأحقاد، الآن أن ينجو من شرها.

* كاتب فلسطيني

 

Email