الله يستر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الله يستر.. عبارة نرددها كثيراً في محلها وفي غير محلها أيضاً، والغريب أننا نردد هذه الجملة عندما نفرح أو نشعر بالسعادة الغامرة، بل أحياناً نتعدى هذه الجملة بجمل شبيهة لكنها أكثر توضيحاً لحالة الخوف التي تصيبنا من الفرح كي نقول مثلاً «الله يعطينا خير هذه الضحكة».

والأمر لا يقتصر على قول الجملة فقط إنما يتعداها بكثير حيث يحس البعض بغصة «قمطة في القلب» بعد أن يهدأ القلب من أثر خفقانه جراء الضحك. هذه الحالة وللأسف تتعدى الشعور الذاتي أو الشخصي، بل تصبح حالة جماعية كعدوى نتناقلها بين بعضنا البعض في الجلسات الشبابية أو العائلية.

فبعد موجة الضحك يخرج أحد الأشخاص مردداً «الله يستر من الضحك» كصفارة إنذار معلناً تحويل الأجواء من الفرح إلى الحزن، وتأخذ العقول تتناقل صدى هذه الحروف حتى يقع الخوف فعلياً في قلوبنا، وإذا ما وقعت مصيبة أو حادثة لأحد الجالسين من بعد هذه الجلسة فتثبت الرؤية ويصح التنبؤ. في علم الاجتماع تسمى هذه الحالة «شيروفوبيا» أو «رهاب السعادة».

وقد يصنف في بعض حالاته أنه مرض نفسي يجب علاجه، ويعبر المتخصصون بأنه أقل درجاته هو قيام الشخص بالتلفظ بجمل «التحصين» من وقوع الشر. شيروفوبيا المجتمعية لا تقتصر على مسألة الخوف من الفرح وإنما تتعداها بكثير، فمن الملاحظ على معظم مجتمعاتنا العربية حبها للقصص الحزينة، للمسلسلات الكئيبة، للحوادث الغريبة، حتى الموسيقى فسرعان ما ننجذب للموسيقى الحزينة ذات الأشجان «تقطع القلب» .

كما يحب أن يسميها ناشروها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والغريب أننا نلاحق هذه الأمور لنجعلها جزءاً من حياتنا، ومهما حاولنا الخروج من دائرتها لا نستطيع، فما إن نجد خبراً عن جريمة قتل حتى ندخل لنتعرف على تفاصيلها، وما إن نشاهد حلقة سوداوية من مسلسل حتى نضعه على جدول متابعاتنا.

حقيقة يجب أن نعترف بأن هناك من هم مسترزقون من هذا الوضع؛ فلولا الحزن لما كانت ألبومات المغنين «تضرب» وتكسر الدنيا كما يُعبر عن نجاحها، ولا كانت المسلسلات الكئيبة من أعلى المشاهدات، ولولا حالة شيروفوبيا لما كانت قصص الحب الحزينة مصدر إلهام كتابنا وأدبائنا، ولا كانت رواياتهم أعلى مبيعاً بسبب نهايتها المأساوية.

وبعد هذا التوضيح البسيط عن هذه الحالة التي يطول شرحها ويصعب فهمها نتساءل؛ لماذا نخاف من الفرح ونحن من نطلبه؟ ندرس لكي نفرح بشهاداتنا؟ نتزوج لنفرح بزيجاتنا وأولادنا؟ نعمل ونكد لنفرح بثمرة مجهوداتنا؟ وعندما يأتي الفرح نخاف منه ونتوجس من عواقبه، فإن كان الفرح «يخوف» فلنتركه جانباً ونكف عن البحث عنه ونستريح من هذا العناء!

بل نخاف أن نظهر فرحنا خوفاً من الحسد، أم أنكم لا تؤمنون بالحسد الذي يقلب الأحوال ويهلك الأموال ويدمر كل شيء جميل، وللأسف إن اختلاط المفاهيم وفهم المعاني كان سبباً بأن يعيش الإنسان خيالات غريبة وحكايات عجيبة أقرب لقصص ألف ليلة وليلة.

إن كنتم لم تجدوا الإجابة عن تساؤلنا السابق فها هي لكم هدية مجانية، من دون حزن أرجوكم ولا دموع فرح ولا غيرها من حالات البكاء غير المبررة؛ السبب في هذه الحالة هو «البرمجة العقلية» التي تقودنا منذ نعومة أظفارنا إلى مآل واحد يصف لنا في كل مرة ويؤكد أن الحزن مصير حياتنا كلها.

فحتى عندما نتطاير بقراءة الفنجان أو قراءة الأبراج أو التوقعات أو ما شابهها من أمور مماثلة دائماً تقع الجملة وقع التأكيد على الحالة «وطريقك مسدود يا ولدي»؛ والتي كتبها نزار قباني وغناها عبدالحليم هذه الأغنية المشؤومة على حياة العندليب فبحسب أصدقائه أن حليم قد روى لنزار حكاية العرافة «مرجانة» فألف له هذه القصيدة التي كانت آخر أعماله الغنائية وجاءت لتصف لنا حالة مجتمعية قديمة الأزل تلتصق بمجتمعاتنا.

ومستمرة ما دمنا نبرمج عقولنا وعقول أجيالنا عليها. ومما لا شك فيه أن بعض المفاهيم في حياتنا قد آلت هي الأخرى وكانت سبباً رئيساً في صرامة أفكارنا ما انعكس على تصرفاتنا، وبسبب الصرامة تحولت الكثير من الأمور البسيطة المفرحة لرذائل وملاه يجب الابتعاد عنها بل محاربتها إن تطلب الأمر. والمصيبة أن «أكواد البرمجة» تزداد تأثيراً يوماً بعد يوم، فلو أمعنا النظر بمجتمعاتنا فنكاد نجزم أننا ذاهبون لسوداوية أكثر وأكثر، فهل بإمكانكم أن تخبروني متى آخر مرة سمعتم «نكتة»؟ أو قرأتم مقالاً ساخراً؟ أو حتى شاهدتم «كاريكاتيراً» مضحكاً، فجميع ما سبق تم رصده ليتحدث عن الأوضاع القاتمة.

وإن تخللها حالة السخرية فسيكون مفادها سخرية لا تسمن ولا تغني من جوع. لو استمر الوضع على هذا الحال فستصبح شعوبنا العربية أكثر عصبية وتطرفاً، وربما لهذا كله توجه القيادة الحكيمة في دولة الإمارات بنشر مفاهيم السعادة والإيجابية في كافة مجالات حياتنا.

* كاتب وإعلامي

Email