خطوات كورية مهمة على طريق السلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

المطّلع على الأدبيات الخاصة بالحرب الكورية (1950 ــ 1953)، سيكتشف بسهولة أن شبه الجزيرة الكورية وسكانها، كانوا إحدى ضحايا تداعيات الحرب العالمية الثانية.

فبمجرد انتهاء هذه الحرب وانهزام اليابانيين، الذين كانوا يحتلون كوريا، تم تقسيم الأخيرة مثلما قسمت بلاد عديدة أخرى بين المنتصرين الكبيرين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي)، دون استشارة أهلها، بل تم التقسيم، أو وضع الخط الفاصل بين القوات الأميركية والسوفييتية، بطريقة اعتباطية عند خط العرض 38، في جلسة لم تستغرق سوى ساعة.

وبالاعتماد على خريطة مصدرها مجلة «ناشيونال جيوغرافيك». وطبقاً لهذا التقسيم، استسلمت القوات اليابانية الموجودة شمال خط العرض 38 للسوفييت، واستسلمت مثيلاتها الموجودة جنوب الخط للأميركيين.

هذه الترتيبات ساهمت في حدوث الكثير من المشاكل والآلام لاحقاً. وخلال الفترة 1949 ــ 1950، تنافس زعيما الشطرين الجنوبي والشمالي على توحيد كوريا عبر المناوشات والأعمال الدعائية، غير أن زعيم الشطر الشمالي «كيم إيل سونغ»، تجاوز ذلك إلى إشعال حرب أهلية.

وذلك حينما أمر قواته المدججة بالأسلحة السوفييتية، بعبور خط العرض 38 باتجاه الجنوب، فجر يوم 25 يونيو 1950، فحقق نجاحاً هائلاً، تجلى في احتلاله سيؤول، والعديد من المدن الأخرى.

وهو ما دعا الأميركيين وحلفاءهم للتدخل عسكرياً لوقف الزحف الشيوعي، خصوصاً بعد نجاح واشنطن في تمرير قرار أممي، حول إرسال قوات إلى كوريا الجنوبية دون فيتو سوفييتي، بسبب مقاطعة موسكو آنذاك لجلسات مجلس الأمن. وهكذا، استطاعت واشنطن أن تطارد القوات الشيوعية وتعيدها إلى الشطر الشمالي، وتحرر الجنوب من قبضتها، رغم المساعدات التي جاءتها من موسكو، ورغم دخول الصين الحرب إلى جانبها.

المهم أن الحرب الكورية انتهت إلى حالة لا غالب ولا مغلوب، وصولاً إلى يوم 27 يوليو 1953، الذي تم فيه إعلان الهدنة، عبر اتفاق عُقد في قرية «بانمونجوم»، التي عادت اليوم إلى الأضواء. فمؤخراً اتفقت الكوريتان والقيادة الأميركية لقوات الأمم المتحدة المرابطة في الشطر الجنوبي، على تدابير لإزالة الأسلحة النارية ومراكز الحراسة والمراقبة في «بانمونجوم».

إضافة إلى وقف المناورات العسكرية على طول الحدود، ابتداء من شهر نوفمبر الجاري، علاوة على التخلص من 11 موقعاً عسكرياً حدودياً، كمقدمة لإزالة كل شبيهاتها مستقبلاً.

وتقليص عدد الجنود المتمركزين في «بانمونجوم» إلى 35 جندياً على كل جانب، وتبادل المعلومات حول معدات المراقبة الخاصة بالبلدين، والسماح للسائحين من شطري كوريا والدول الأجنبية، التحرك بحرية داخل المنطقة الأمنية المشتركة، بغية تحويل المنطقة الحدودية إلى بقعة سلام ومصالحة.

هذه الخطوات بطبيعة الحال، هي مجرد خطوات رمزية، مثلما قيل، لكنها من جهة أخرى، فإنها مهمة وغير مسبوقة، وتصلح كدليل على أن محاولات إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية، ماضية على قدم وساق.

وأنّ ما تمّ الاتفاق عليه في القمم الثلاث بين رئيس الشطر الجنوبي «مون جاي إن»، وزعيم الشطر الشمالي «كيم جونغ أون»، جارٍ تنفيذه، بدليل أنّ خطوط الاتصال عادت للعمل بين البلدين، كما تمّ البدء بتنظيف المنطقة الأمنية المشتركة من الألغام.

أما ما يعرقل الإعلان عن انتهاء حالة الحرب بين البلدين رسمياً، فهو عدم موافقة بيونغيانغ حتى الآن على نزع سلاحها النووي بصورة كاملة، ووضع معايير للتأكد من ذلك. ويعمل الرئيس «مون جاي إن»، دون كلل، على إقناع نظيره الشمالي بذلك، مبدياً الكثير من الوعود والالتزامات والإغراءات والتنازلات.

ومن صور التنازلات التي قدمها، عدم اشتراطه على عقد أي من لقاءات القمة الكورية في سيؤول. وبعبارة أخرى، قبوله الذهاب بنفسه إلى عاصمة الشطر الشمالي، لعلمه المسبق بأن نظيره الديكتاتور «كيم جونغ أون»، متحفظ على زيارة سيؤول لأسباب أيديولوجية وأمنية، أو ربما للإيحاء بأنه الزعيم الذي يسعى الآخرون لخطب وده.

ومن الخطوات الجريئة التي أقدمت عليها حكومة «مون جاي إن»، بالتعاون مع الحليف الأميركي، إيقاف المناورات العسكرية الدورية المشتركة بين قوات بلديهما، وذلك من باب تجنب استفزاز كوريا الشمالية، والإبقاء على زخم ما تمخضتْ عنه القمة الكورية الشمالية- الأميركية في سنغافورة في يونيو الماضي.

أما الخطوة الأكثر إثارة في هذا السياق، فهي موافقة بيونغيانغ على إرسال وزير دفاعها «نو كوان شول» قريباً إلى واشنطن، للاجتماع بنظيريه الكوري الجنوبي والأميركي، لبحث العديد من المسائل العسكرية الشائكة، وعلى رأسها نزع الأسلحة النووية.

والحقيقة أن «كيم جونغ أون»، ربما لديه من يحرضه ضد الأقدام على ذلك، لذا، نراه يشترط إلغاء العقوبات الأممية المفروضة على بلاده مسبقاً، قبل البحث في مسألة التخلص من قدرات بلاده النووية. وهو يفعل هذا، على الرغم من أن تلك العقوبات يجري خرقها بألف صورة، عن طريق توريد مختلف أنواع السلع من الصين تحديداً. فبكين، رغم أنها كثيراً ما رددت التزامها بالعقوبات، فإنها تجد في خرقها صفعة للأميركيين.

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

 

Email