«العولمة» بعيون إماراتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت «الأولويات الأربع» التي طرحها معالي محمد القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل الرئيس المشارك لمجالس المستقبل العالمية في كلمته الافتتاحية لأعمال الدورة الثالثة للاجتماعات السنوية لمجالس المستقبل العالمية، يوم الأحد، جادة وصريحة.

خاصة تلك الأولوية الرابعة والمتعلقة بمسألة تراجع بعض الدول الكبرى من مسألة الاستمرار في «العولمة» الفكرة التي طرحتها الولايات المتحدة قبل أكثر من عقدين من الزمن، والتي كانت هدفها توحيد كل القضايا الإنسانية تحت مفهوم واحد.

ولكن بدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب الحالية بالتراجع عنها من فهمه بأنها تمثل تهديداً لسيادة بلاده خاصة في الجوانب الاقتصادية، وهو يعتبر أمراً مثيراً ومدهشاً للسياسيين والمراقبين في العالم.

العولمة عُنيت بانتقال علاقات الدول والشعوب إلى حالة أكثر تشابكاً وتداخلاً في التشريعات المنظمة لحياة الناس، وكذلك في تعزيز التعاون بين المنظمات الاقتصادية والسياسية حتى مع تلك المختلفة أيديولوجياً عنها. وقد اعتقد البعض ممن يؤمنون بنظرية الحجم، بأن الدول الصغيرة سوف تتأثر سلباً من العولمة، لأن القرارات سوف تتخذ بطريقة من «أعلى الهرم.. الدول الكبرى إلى الأسفل»، خاصة .

وقد لعبت فعلاً الشركات الأميركية الكبرى دوراً في الترويج للفكرة فظهرت شركات برؤوس أموال تقدر بمليارات الدولارات، وظهرت اهتمامات الرأي العام العالمي بالقضايا الإنسانية المشتركة.

الشيء الذي لم يتوقعه الكثيرون أن للعولمة مسارات مختلفة وليس فقط باتجاه واحد، من تلك المسارات قدرة الدول الصغيرة على التأقلم مع الفكرة الجديدة والتفاعل معها إيجابياً لأن فكرتها تسمح لكل من له قدرة على استشراف المستقبل وفهم تحدياته بالتأثير العكسي والاستفادة بطريقة تقلل حجم التأثيرات السلبية عليها، ولأن هناك قناعة سياسية لدى القيادة الإماراتية أنه في حالة وجود «الإرادة السياسية» .

فإن ما تتبناه الدول الكبرى من أفكار لإفادة نفسها فقط فإنها يمكن أن تمثل فرصة سانحة للدول الصغيرة إذا ما وفرت الأرضية المرنة والمناسبة لاستيعاب مثل تلك الأفكار، وبالتالي فإن التراجع الأميركي لا يخدمها والعولمة لا تهدد سيادتها أو على الأقل كما قال معالي محمد القرقاوي، إن قطار العولمة انطلق ولا يمكن أن يعود.

لذا، وبدلاً من العودة إلى السياسات الحمائية والانغلاق على الداخل فيما بات يعرف بالانقلاب على العولمة يكون من الأجدى والأفضل عقد اجتماعات مع الدول الأخرى في العالم للتفاهم واستيعاب رغبات الآخرين؛ على اعتبار أن الآخرين ممن تبنوا الفكرة الأميركية صار لديهم مصادر التفوّق في أشياء كثيرة،.

وربما التأثير في السياسة الأميركية نفسها والإضرار بها، فالعالم بات «مسطحاً» الكل متساوٍ فيه، لم تعد الولايات المتحدة هي صاحبة النفوذ في التكنولوجيا المدنية والعسكرية، بل إن الكثير من الصناعات الأميركية تعتمد على شركائها في خارجها مثل محركات طائرات البوينج وتلفونات الجيل الرابع.

إن مقياس حجم الدول جغرافياً لا يعني كثيراً، ولكنها قد تكون كبيرة من خلال تفاعلها مع الدول الأخرى ومن خلال التفكير المستقبلي وقراءة تحولاته وبالتالي صناعته؛ لأن المسألة لم تعد تعتمد على الشطارة والفهلوة، على سبيل المثال دولة الإمارات التي تترأس اليوم منصات عالمية تناقش فيها أفكاراً لتطوير حياة البشر من خلال التأثير على تحديات المستقبل.

الشراكة مع العالم هي الحل بدلاً من العودة عن العولمة التي هي الضرر بعينه، خاصة بعد أن صاغ العالم نفسه بها، وأثبتت دولة الإمارات أنه ليس شرطاً أن تكون منشئاً لفكرة معينة لتستفيد منها، وإنما قدرتك على قراءة المستقبل وفهم تحدياته هي كلمة السر.

ومن يريد اكتساب معركة العولمة هو من يستطيع أن يحشد أكبر عدد من الشركاء العالميين والحكومات، ودولة الإمارات تفعل ذلك اليوم من استضافتها الثالثة للفعالية الاقتصادية العالمية، وهي بذلك تؤسس لنفوذ دولي يتعدى الوسائل التقليدية إلى ما بات يعرف بالقوة الناعمة.

 

Ⅶ محمد خلفان الصوافي *

 

Email