قطر تغرق، ليس في مياه الأمطار فقط، كما حدث خلال الأيام الماضية، عندما وجد المواطنون والمقيمون أنفسهم مجبرين على السباحة في التجمعات المائية، وعندما غرقت السيارات في الشوارع، واقتحمت السيول المساكن والمحلات والمؤسسات العامة والخاصة، لتكشف عن حجم الفساد الذي وصل الى حد العجز عن تسليك مناهل الصرف الصحي في العاصمة «الحمدية».
قطر تغرق سياسياً كذلك، بعد أن راهنت على استخدام قضية خاشقجي ضد الرياض، فقامت بتجييش أبواقها في الداخل والخارج، وبتحريك المنظمات والجمعيات، ومواقع التواصل الاجتماعي، وخصصت ملايين الدولارات لتنشيط غرف عمليات طارئة بهدف استهداف المملكة وقيادتها ووحدة شعبها واستقرار مجتمعها.
لم تترك قطر باباً إلا وطرقته، ولا أداة إلا واستعملتها، ولا مرتزقاً إلا واستخدمته في حملتها الممنهجة ضد المملكة ورموزها، معتقدة أنها وجدت الفرصة المناسبة لابتزاز الرياض واختراق التحالف العربي والإسلامي ضد الإرهاب، قبل أن تصطدم بالحقيقة التي طالما رفضت الاعتراف بها، وهي أن المملكة العربية السعودية قادرة على رفع التحديات وكسب الرهانات وتجاوز العقبات، بما لديها من قوة وحكمة واستقرار داخلي وتأثير خارجي.
يقول أحد الحكماء موصياً ابنه: «إذا خاصمت أحداً في أمر فاترك مجالاً للصلح»، لكن نظام الدوحة لا يعمل بهذه الحكمة، لذلك تراه يفجر في خلافاته قبل خصوماته، ويقطع كل طرق العودة، معتقداً أنه بذلك يثبت قوّته، في حين أن هدفه الحقيقي هو إرضاء غرور القائمين عليه، وإشباع رغبات حلفائه من المتطرفين والمتشددين والإرهابيين الذين يعرف الجميع صولاتهم وجولاتهم في ساحات القتل وميادين الخراب.
لقد كشفت الرياض عن تفاصيل ما حدث في قنصليتها بإسطنبول، واعتبرته جريمة بشعة لا يمكن السكوت عليها، وفتحت تحقيقاً في مقتل مواطنها جمال خاشقجي، وتقدمت بخالص العزاء لأسرته، ولكن هل بإمكان قطر أن تعترف بوقوفها وراء مقتل الآلاف من الأبرياء عبر أدواتها الإرهابية؟ هل يمكن لنظام الدوحة أن يحاكم مواطنيه المتورطين في تمويل وتسليح القتلة والمتأمرين؟ وهل لديه شجاعة الاعتراف ببشاعة جرائمه في حق السوريين والليبيين والعراقيين واليمنيين والمصريين والصوماليين وغيرهم؟ وهل يعتقد أن صمت العالم سيطول أكثر على تلك الجرائم؟
مشكلة نظام الدوحة أنه لا يمتلك الجرأة على محاسبة نفسه، وهو يعمل على تعويضها بالتجرؤ على الآخرين، وخاصة الأشقاء والجيران، ليؤكد استمراره في الاتجاه نحو الغرق الكامل في بركة ممارساته الآسنة.