ملابسات انتخاب الرئيس العراقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مدى ثلاث دورات انتخابية منذ العام 2006 سيطرت تقاليد المحاصصة عرقياً ومذهبياً على المشهد السياسي العراقي، والتي مُنح من خلالها حق إشغال الرئاسات الثلاث لمرشحي المكونات الثلاثة الرئيسية في المجتمع العراقي، الشيعة والسنة والكرد، وأصبحت رئاسة الجمهورية من حصة الكرد. وفق هذا السيناريو توافق الزعيمان الكرديان البارزان مسعود البارزاني وجلال الطالباني في سياق ترتيب البيت الكردي على أن تكون رئاسة الإقليم من حصة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني ورئاسة الدولة من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة الطالباني.

إلا أن هذه التحاصصات ليست حقوقاً مطلقة لهذه المكونات فأياً من المرشحين لهذه الرئاسات الثلاث ينبغي أن يحظى بالقبول من قبل الأطراف الأخرى لأنه سيصبح خياراً عراقياً للمنصب الذي يشغله، ومن هذا المنظور يصبح المرشح الكردي للرئاسة رئيساً لكل العراقيين.

الجديد في الدورة الانتخابية الرابعة لعام 2018 هو التصدي الجاد لهذه القاعدة والعمل على كسرها، فامتداداً للتقاليد المتبعة رشح الاتحاد الوطني الكردستاني الدكتور برهم صالح للرئاسة، وهو ما لقي اعتراضاً شديداً من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي رشح بدوره الدكتور فؤاد حسين. ففي ضوء التغير الذي حدث في الإقليم واستقالة الرئيس مسعود وتوزيع صلاحياته على مؤسسات الإقليم يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني أن التوافق السابق مع الاتحاد الوطني الكردستاني لم يعد قائماً وأن رئاسة الدولة ينبغي أن تكون من نصيبه لأنه صاحب العدد الأكبر من النواب في البرلمانين العراقي والكردستاني، وهو ما عمق الخلافات داخل البيت الكردي المتخم بالخلافات.

إلا أن ذلك ليس الجديد الوحيد في هذه الدورة الانتخابية، فقد بلغ عدد المرشحين لمنصب الرئيس ثلاثون مرشحاً من الحزبين الكرديين الرئيسيين ومن أكراد مستقلين ومن تركمان وعرب، معظمهم على بينة بأن لا حظوظ لهم أمام مرشحي الحزبين الكرديين الرئيسيين، إلا أنهم صمموا على الانخراط في التظاهرة الرافضة والمتمردة على أسس النظام السياسي القائم سواء أكان الرفض كردياً ضد هيمنة الحزبين الكرديين على حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، أم رفضاً عراقياً ضد مبدأ المحاصصة العرقية والمذهبية. وقد انسحب بعض المرشحين قُبيل البدء بالتصويت ليصبح عدد من خاضوا الانتخابات في جولتها الأولى تسعة عشر مرشحاً، في سابقة ربما لم يشهدها أي بلد في العالم.

إحدى الظواهر الجديرة بالتسجيل هي ترشح النائبة الكردية المستقلة سروة عبد الواحد لرئاسة العراق في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم العربي، وقد جاءت بالمرتبة الثالثة بعدد الأصوات التي حصلت عليها في الجولة الأولى. هذه النائبة كانت رئيسة كتلة التغيير في الدورة الانتخابية السابقة في البرلمان العراقي إلا أنها دخلت في خلافات شديدة مع كتلتها النيابية إثر تصريحات جريئة وقوية أدلت بها انتقاداً للفساد في الإقليم وانتصاراً لعوائل شهداء البشمركة ورفضاً لممارسات قيادات كتلتها.

وقد سبق للعراق أن كان له دور ريادي ناحية الإصلاح الاجتماعي واحتضان طموحات المرأة وحقوقها على مختلف الصعد في العالم العربي، فقد كانت الحقوقية صبيحة الشيخ داود أول امرأة تشغل منصباً قضائياً في محكمة الأحداث عام 1956 وكانت الدكتورة نزيهة الدليمي المرأة الأولى التي شغلت منصباً وزارياً عام 1960.

ويأتي ترشح النائبة سروه عبد الواحد في ظروف خاصة يمر بها البلد حيث يُستهدف الحضور النسوي البارز سواء أكان سياسياً أم اجتماعياً أم فنياً عبر سلسلة من الاغتيالات نفذتها جهات ظلامية لم تتضح بعد هويتها.

وعلى العموم اتسم المشهد السياسي العراقي عشية الإطلال على الدورة الانتخابية الرابعة بتعاظم إرهاصات التغيير والتمرد على ما هو قائم من أعراف وتقاليد سياسية، وتحدٍ لقواعد اللعبة التقليدية التي غُرست مع التغيير عام 2003، والتي تكرس الالتزام بالهوية الانتمائية الضيقة والولاء لها. فقد شهدنا، في سياق اختيار المرشحين للرئاسات الثلاث، تشظياً شيعياً وآخر سنياً وثالث كردياً، تشظيات تصب في صالح تعزيز الهوية الانتمائية الأوسع، هوية الانتماء للعراق، فلم تعد مواقف نواب هذه المكونات طوع بنان «أمراء الطوائف» الذين باركوا المحاصصة وأتقنوا لعبة توازن المصالح في فضاءاتها، ولم يعد الاصطفاف العرقي أو المذهبي الخيار الوحيد أمام النائب. هذه الظاهرة صحية بجميع المقاييس لصالح نهوض العراق من كبوته رغم أنها لم تتمخض في نهاية المطاف عن جديد يتخطى بالكامل قواعد اللعبة التحاصصية المرسومة رغم قوة التحدي لها.

 كاتب عراقي

Email