حقيقة إصلاح الأمم المتحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ازدياد وتيرة الانتقادات التي تطال آلية عمل الأمم المتحدة، وبخاصة من الدول الكبرى ذات النفوذ السياسي في العالم، يبشّر بقرب إصلاح الخلل في هذه المنظمة، التي تعاني «الشيخوخة» وعدم القدرة على الحد من تفاقم الأزمات والقضايا المتفجرة في العالم.

ويكاد لا يخلو خطاب يلقيه مسؤول سياسي في اللقاء السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تعقد أعماله عادة في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر، من توجيه دعوة لإصلاح المنظمة الدولية، إلا أن بعض المطالبين لا يحدثون شيئاً من المفاجآت، خاصة أن طالبي هذا الإصلاح من الدول الكبرى يمارسون سياسات مناقضة لدور وأهداف المنظمة الدولية في تحقيق الاستقرار والأمن الدوليين، وعلى رأسهم الدول صاحبة حق الفيتو.

 

ولم تكن الدورة الحالية المنعقدة هذه الأيام وهي الثالثة والسبعون استثناءً من تلك «التهمة» الموجهة للأمم المتحدة بالحاجة إلى الإصلاح الجذري وربما إعادة الهيكلة، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة نفسه أنطونيو غوتيريس ألقى خطاباً نقدياً حذر فيه من الفوضى التي تهدد النظام العالمي نتيجة لعدم فعالية أعضائه، وهدد بانهيار النظام العالمي المستند أساساً إلى تعاون الجميع في منع تكرار ما حدث خلال فترة عصبة الأمم من ظلم على الدول الصغرى، ولكن يبدو أن الممارسة السياسية تتكرر في وقتنا مثل التدخلات في شؤون الدول الأخرى، كما تفعل إيران في العديد من الدول العربية دون أن تجد رادعاً دولياً، أو تلك السياسات الدولية المتراجعة تجاه مثيري الفوضى وداعمي الإرهاب والتطرف.

الأمر الذي يعني للمراقب أن الانتقادات الموجهة من بعض الدول ليست بريئة أو أنها غير صادقة تماماً، وإنما هي واحدة من العناوين التي يستخدمها بعض القادة السياسيين لإخلاء مسؤولياتهم أمام الرأي العام العالمي تجاه ما يحدث في العالم، وأن الهدف الأكبر منها هو للاستهلاك الإعلامي العالمي، يساعدنا في فهم ذلك أن كل الأزمات الإنسانية، روهينجا، والقضايا الدولية في سوريا واليمن وفلسطين لا تجد دعماً من الدول الكبرى، والتي هي أساس فعالية أو ضعف القرارات الناتجة من الأمم المتحدة.

هذه المناسبة الدولية الدورية للجمعية العامة التي تعتبر المكان الأكبر للدول لممارسة الدبلوماسية في العالم، هي فرصة للدول للتعبير عن رؤيتها للقضايا التي يواجهها العالم ورأيها في دور المنظمة التي قامت من أجل التقريب بين شعوب العالم، وهو ما يدلل - حسب فهمنا - على الأقل بأهمية أن تكون قوية وذات سلطة لفرض الأمن ومرجعاً لحل النزاعات في العالم، لكن ما يكرره بعض قادة العالم سنوياً من نقد واتهامات لدور المجلس يجعلنا نطرح التساؤل من المستفيد من ضعف المنظمة طالما أن الجميع يريد إصلاحها؟!

ظروف كثيرة تحدث على الساحة الدولية تستدعي إجراء إصلاح حقيقي للأمم المتحدة، كونها تمر بمرحلة من عدم السيطرة، خاصة بعدما قامت الإدارة الأميركية الحالية بمجموعة من الأعمال أفقدت المنظمة هيبتها ونزاهتها مثل اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وكذلك الانسحاب من بعض المنظمات الدولية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، بدلاً من تفعيل دورها كي تعود للهدف الذي أنشئت من أجله وهي حفظ الأمن والسلام في العالم والاحتكام إلى القوانين واحترام الآخر، وبدلاً من أن تكون مكاناً للتسلية السياسية، كما يبدو من تكرار التهمة، لذا تبدو المنظمة ضعيفة حقيقة.

أعتقد لو كان ما يقوله بعض السياسيين في هذا اللقاء السنوي على درجة ولو صغيرة من صدق النوايا، على الأقل من ناحية عدم اعتبارها مادة سنوية جاهزة لممارسة النقد من أجل النقد فقط، فإننا سوف نجد موقفاً حقيقياً على الأقل من الدول الكبيرة من أجل إصلاحه، لأن الشيء الصعب فهمه هنا هو أن الجميع ينتقد عمل المنظمة الدولية، وهم متفقون على أهمية إصلاح المنظمة الدولية، لكن هناك من يريد عرقلة الإصلاح، لتحقيق مآرب خاصة، ولو كانت على حساب خلاص الشعوب من التدخل في شؤونها ومن الإرهاب والتطرف والنزاعات.

 

 

 

Email