التسوية والتدويل والرباعية بعد التعديل

ت + ت - الحجم الطبيعي

على هامش الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، اجتمعت اللجنة الرباعية الدولية لعملية السلام في الشرق الأوسط، وخرجت على الخلق ببيان موجزه «التعبير عن القلق البالغ إزاء الوضع الإنساني في قطاع غزة، وكذلك إزاء استمرار التصعيد هناك». وحددت اللجنة خريطة عمل لها تركز على وقف هذا التصعيد، وعودة السلطة الشرعية للقطاع، ثم معالجة الحاجات الإنسانية لسكانه.

لعل أول ما يعنّ للمتابع عن كثب، كيف أن هذه اللجنة رفيعة المقام، المكونة من ممثلي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهي القوى المتربعة على قمة النظام الدولي؛ والمعنية بالنظر في أكثر قضايا العالم صعوبة وتعقيداً، ما عادت تلتئم إلا على هامش حدث دولي آخر. وما يثير الحفيظة ويشعل الغيظ أكثر، أنها، وعلى الرغم من تكسر النصال على النصال بين يدي عملية التسوية الفلسطينية، راحت تنشغل بجزئية منمنمة في هذا السياق، قوامها بعض ما يدور في غزة، منهية مداخلتها العصماء بالتعبير عن القلق.

يحدونا إلى هذا التصور المقبض، التكرارية الخارقة للأعين، التي ينطوي عليها البيان الأخير، قياساً بما صدر عن الرباعية عقب اجتماعها في يوليو 2017، الذي تضمّن القلق الشديد تجاه الوضع الإنساني المتدهور في غزة، والتداول في كيفية معالجته، لا سيما أزمة الكهرباء.

بناء على اجتماعها وبيانها، أخذ المعنيون علماً، وتنبهوا مجدداً إلى أن الرباعية ما زالت على قيد الحياة، وإن كانت تعاني من الموت السريري. لكن هذه الوضعية القزمية، الأقرب إلى سيناريو قديم معاد منها إلى جديد مبشر، لا تنعش الآمال في مستقبل التدويل الفاعل لعملية التسوية الفلسطينية. بمعنى أن حال هذه العملية، ربما كان من حال الرباعية.

في سالف أيام الرباعية؛ التي تشكلت قبل 16 عاماً، كان البعض يحمل عليها وينتقدها، لكونها تخلت عن فكرة إنشائها ووظيفتها، وهي الرعاية التعددية لعملية التسوية، وراحت تتبنى رؤى الولايات المتحدة ومواقفها، فيما كان المنوط بها مقاومة التفرد الأميركي بالرعاية والوساطة. غير أن المطلوب اليوم من هذا البعض، يتعلق بالترحُّم على وجود الرباعية ودورها ذاتيهما، جراء غيابها وتواريها عن المشهد بشكل شبه كلي.

المفارقة هنا، أن هذا الغياب بات يتوازى ويتواكب مع انحياز أميركي، بالغ الوضوح والفجاجة، للجانب الإسرائيلي، مصحوباً بانتهاكات صريحة لحقوق الفلسطينيين. الأمر الذي أفضي بالأخيرين إلى إعلان القطيعة مع واشنطن. وعليه، أضحت عملية التسوية بلا رعاية دولية معقولة من أي نوع. هذه حقيقة تنذر بأخطار يصعب توقع مصادرها وتداعياتها.

نود القول بأن الحالة في فلسطين التاريخية الآن، أحوج ما تكون إلى الرباعية، ولكن في إهابها الفكري والسياسي، والأهداف التي كمنت وراء إنشائها أول مرة.

في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة، أعاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أذهان «المجتمع الدولي» إلى هذا الإهاب. ذلك بأن اقترح بلورة هيكلية دولية لرعاية عملية التسوية، تكون بديلاً من الانفراد الأميركي الذي تأكد فشله. وربما كان من الحكمة بمكان، الإشارة إلى أن الرباعية تصلح لتنفيذ هذا الاقتراح، شريطة توسيعها من حيث العضوية، وتقعيدها على أسس واضحة من حيث المرجعية الحقوقية، محورها قرارات الشرعية الدولية والأممية الفلسطينية، ومنحها صلاحية الوسيط الفاعل القادر على الإملاء والإكراه.

الشاهد أنه في حال توفرت لها هذه المحددات ونحوها، فسوف تصبح الرباعية الدولية من أكثر الآليات ألمعية وذكاء وطاقة على الحركة والإنجاز. وبشيء من التصرف، ثمة إمكانية لتحويل هذه الآلية إلى لجنة دائمة الانعقاد والعمل، لمؤتمر دولي يضطلع بالتسوية الفلسطينية بكل تفصيلاتها، من الألف إلى الياء.

 

 

Email