هل تعود السنون العجاف؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العام 2008 شهد العالم أكبر أزمة مالية منذ الكساد العظيم في العام 1929. وقد بدأت أزمة الكساد العظيم في يوم الثلاثاء الأسود من تاريخ 29 أكتوبر 1929، حيث انهارت أسواق الأوراق المالية في بورصة نيويورك. ووصلت آثارها إلى كثير من دول العالم، ويقدر أن الناتج المحلي في كثير من دول العالم انخفض في المتوسط 15%. ولم يتعاف العالم من ذلك الكساد إلا في أواخر الثلاثينات أو بعد الحرب العالمية الثانية.

ورغم أن الأزمة المالية في العام 2008 والتي سميت اصطلاحاً بالركود الاقتصادي الكبير كانت أخف وطأه من الكساد العظيم إلا أن عواقب الأزمة كانت جسيمة على كل اقتصادات العالم. كما أن تبعاتها السياسية على العالم وعلى أميركا بالذات كانت واضحة المعالم.

وقد بدأت الأزمة مع انهيار قروض الإسكان والتي لم تكن هناك مراقبة على إقراض الأفراد لتملك العقارات السكنية. بل كان هناك تشجيع واضح من قبل هيئات القروض لتسليف الأفراد الراغبين دون التحري أو أخذ الحيطة الكافية لقدرة الأفراد على دفع الاستحقاقات المتوقعة. وعندما حصل انخفاض في أسعار العقار بعد أن انفجرت فقاعة الشراء في العقارات لم تستطع البنوك استيفاء مستحقاتها من هذه القروض. وبسبب المغامرة غير المحسوبة التي أقدمت عليها هذه البنوك، مثل ليمان بروذرز، أعلنت إفلاسها.

وقد أدت هذه الحالة، والتي كان لها تأثير دولي إلى فقدان الكثير لوظائفهم بسبب تعثر النشاط الاقتصادي وانعدام كثير من السيولة في الوسائط المالية. كما فقد الكثير مساكنهم الخاصة، والتي وضعت للتصفية لرد الديون المستحقة وبيعت بأقل بكثير من قيمتها الأصلية. واستمر تأرجح الاقتصادات العالمية لفترة تصل إلى ثماني سنوات.

ويقول تقرير مهم صادر من شركة مكينزي للخدمات المالية إن هناك بوادر بدأت بالظهور تشبه المخاطر القديمة، كما طفحت إشارات جديدة لا تبشر بخير. وقد رصد التقرير خمس ظواهر توضح التغييرات التي حصلت في الأسواق المالية وبعض المخاطر القديمة، وأخرى بدأت بالبروز.

أول هذه المؤشرات زيادة المديونية العالمية بسبب زيادة المقترضين. رغم توقع الكثير أن المقترضين سيسيلون الأصول لدفع قيمة القروض إلا أن هناك زيادة تقدر باثنين وسبعين تريليون دولار منذ 2007، تشمل الاقتراض الحكومي والاقتراض الخاص من قبل الأفراد. وقد أدى تنامي القروض العامة والخاصة إلى استفحال الأزمة المالية قبل عقد من الزمن.

وثاني العوامل هو عدم القدرة على استدامة الديون من قبل الأفراد والتي أدت بشكل رئيس للأزمة المالية في العام 2008. ورغم أن كثيراً من الدين العقاري قد انخفض لكثير من الأفراد، إلا أن الحالة المالية لكثير من هذه الأسر ليس على ما يرام. إضافة إلى القروض العقارية، فإن 40% من الأفراد أعربوا في استبيان أنهم لن يستطيعوا مواجهة أي طارئ قد يكلفهم حتى أربعمائة دولار. كما أن الربع من الأفراد ليس لهم مدخرات أو نظام تقاعدي.

وثالث هذه التغيرات هو أنه بعد الأزمة المالية، قامت الحكومات بإجراءات إصلاحية جعلت من البنوك أكثر أمناً. ومن هذه الإجراءات فرض احتياطات مالية أكبر للمصارف لتفادي أزمة السيولة التي حصلت منذ عقد من الزمن. ولكن رغم هذه الاحتياطات والصرامة المالية إلا أن المصارف أصبحت أقل ربحية. فعائدات الإيداعات انخفضت إلى النصف. وقد هبطت العائدات المالية للمصارف على المستوى العالمي من 12,3 قبيل الأزمة إلى متوسط 2,3 في السنوات الخمس الماضية.

ويشير التقرير إلى مستجدات أخرى ومنها أن الأسواق المالية أصبحت أقل تواصلاً، بالتالي فإن انتقال عدوى الأزمات المالية صارت أقل حدوثاً. ومنذ الأزمة المالية فإن تدفق الأموال عبر الحدود قل إلى النصف. ولعل السبب يعود إلى أن حساب الربح والخسارة بالنسبة للبنوك أدى إلى خلاصة بأن الاقتراض المحلي يؤدي إلى أرباح مجزية دون المخاطر التي تحملها القروض الدولية.

يضاف إلى هذا التوجه الجديد أن انخفاض الإقراض الدولي قابله زيادة في تدفق الرساميل نحو الاستثمارات المباشرة مما يبشر باستقرار أكبر للأسواق المالية. ويشكل تدفق الأموال بسبب الاستثمارات المباشرة إلى أكثر من النصف لتدفقات الأموال العابرة للحدود، أي ضعف ما كانت عليه قبل الأزمة المالية.

وأخيراً، يحذر التقرير من بوادر جديدة توحي بمخاطر رغم ما تقدم من تحسن في مراقبة الأسواق المالية وانخفاض في احتمالات المخاطر. ومن هذه المخاطر اقتراض الشركات الكبرى في الدول النامية بالعملة الصعبة، والتي قد تؤدي مع انهيار أسعار الصرف للعملة المحلية إلى صعوبات في دفع القروض، كما حصل مع انخفاض سعر الصرف لليرة التركية. وبذلك تصبح المصارف الأوروبية مكشوفة لهذه التقلبات.

وهناك مخاطر تتعلق بالسوق العقاري، خصوصاً مع المقرضين خارج النظام المصرفي، والذي قد يؤدي إلى فقاعة أخرى لا يمكن التعرف عليها عند حدوثها، ولكن قد تنفجر في أية لحظة. ويحذر التقرير من ضرورة توخي الحذر لتفادي كارثة أخرى في الأسواق المالية.

Email