رعاة يحبّون الذئاب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول الإمام الخطابي في كتابه معالم السنن عند تعليقه على الحديث النبوي الشريف: «مَن لم يَشْكُر الناس لم يشكر الله» ما نصّه: «هذا يُتَأوَّل على وجهين، أحدهما: أنَّ مَن كان طَبْعُهُ وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان مِن عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له، والوجه الآخر: أنَّ اللهَ سبحانه لا يقبل شُكْرَ العبد على إحسانه إليه، إذا كان العبدُ لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم!

ما دعاني للتذكير بهذا الحديث النوراني وشرحه الوافي ما قرأته على إحدى منصات التواصل الاجتماعي من تعليقات مريضة لمحسوبين علينا كعرب بعد تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يرسل تهديداً مُبطّناً لدول الخليج العربي المنتجة للنفط وعلى رأسها السعودية قائلاً: «إننا نحمي دول الشرق الأوسط، إنهم لن يتمتعوا طويلاً بالأمان من دوننا، وهم يرفعون أسعار النفط أكثر وأكثر. تذكّروا يجب أن تخفضوا أسعار النفط الآن»!

هذه العنجهية والفوقية في الخطاب ليست بجديدة على ترامب، ولسنا معنيين بتعديل سلوكياته التي اشتكى منها الأميركان أنفسهم قبل بقيّة خلق الله، وكون دولنا تتعرّض لضغوطات مستمرة من قوى النظام العالمي الجديد هو أيضا أمرٌ ليس بطارئ، فلطالما نعقت غربان البيت الأبيض ومن يسير في ركابهم ضد أوطاننا وسياساتها فلم يُحرّكوا شعرة في مفرق، هم يعلمون أنّ السعودية وجزيرة العرب قد استعصت طيلة تاريخ البشرية الطويل على الغزاة والهمج وأصحاب الخطابات «الطرزانية»، والهدوء الذي تتعامل به دولنا مع هذه الزوابع السياسية التي تُثار من فترة لأخرى هو ما يحرق دماء الحمقى أكثر، الحمقى في مراكز القرار السياسي الغربية أو النابحين خلفهم من بعض المحسوبين على النخب المثقفة في بلدان العرب للأسف!

قد جُبِلَت القلوب على حب من أحسن إليها، فالإحسان لا يجزى إلا بالإحسان كما ورد ذلك في مُحكم التنزيل، لذا فإن ناكر المعروف لا يمكن أن يكون سوياً «نفسياً» فضلاً عن كونه أبعد الخلق عن المروءة والنُبل، وأسوأ من النكران أن يُنابزك من أحسنتَ إليه بالعداء الفج ويتمادى بالفجور في الخصومة، إذ لا يمكن أن يستقيم في النفس حب الخير وحب الشر، ولا يمكن أن يناصر المجرم ذو نفسٍ سويّة، ولن يجاهر الـمُصلِح بالعداء إلا من كان الإصلاح يقض مضجعه.

هذه الأيام تمالأت قلوب أتباع التنظيم الدولي للإخوان مع بقايا التائهين في إنشائيات القومية العربية وشعاراتها التي أكل الزمان عليها وشرب، في استهداف السعودية والإمارات تحديداً، استهداف يحركه حقد دفين لا يكاد يحمله الصهاينة لنا، فهم ضدنا في كل شيء، إنْ فعلنا شيئاً قالوا ينوون الشر، وإنْ لم نفعله قالوا لا يريدون عمل الخير، لو تركنا اليمن لقالوا خانوا الأُمّة وتركوا المجوس يحتلون أراضي العرب، وهم يملكون العُدّة والعتاد، ولأننا لم نترك اليمن نُصرةً لها وأنَفَةً مِن أن يُدنس إيراني محتل تراب جزيرة العرب أقاموا سرادقات العويل والنحيب والتشغيب واختلقوا القصص عن مرامي تدخل قوات التحالف العربي، ونقلوا أكاذيب الحوثيين ودهاقنة المجوس وأذنابهم من القاعدة وداعش والإخوان ونفخوا في كل تلفيقات المنظمات المشبوهة وتقاريرها التي تخدم المشروع التوسعي الإيراني!

الغريب أكثر أنهم أصبحوا فُرساً أكثر من الفُرْس أنفسهم، وشماتتهم بالسعودية والإمارات عند تمرير أي خبرٍ عن إيران وعبثها في بلاد العرب أظْهَرَ مِن أنْ تُظْهَر، ولا أعلم صراحةً أي فخرٍ يبحث عنه هؤلاء، أفَيَشْمَتُ بمصاب العربي أخوه العربي؟ أيحب الأرض من يحاول أن يُعلي شأن الـمُحتَل لتلك الأرض؟ إنّ الراعي الذي يفتخر بالذئب لا يُحِب الخراف كما تقول الحكمة القديمة!

ما الذي فعلته السعودية والإمارات لكي تثور ثائرة البعض عليهما بالشتم والقذف بالبهتان كلما ألمّت ببلادهم مُلِمّة؟ ولماذا أضحت هاتان الدولتان مسؤولتين عن حل كل مشكلات العرب؟ بأي منطق وتحت أي قانون تأسيس حدث ذلك؟ ولماذا على السعودية والإمارات أن تُحرّرا فلسطين التي يبيعها أصحاب هذه الثرثرة ليل نهار؟ ولماذا عليهما حل مشكلات سوريا والعراق ولبنان التي عبثت بها إيران سيدة هذه النُخَب الفاشلة والتي لا يجرؤون على نبزها بربع كلمة وليس كلمة كاملة!

كيف يستقيم أن يفتخر القوميون العرب بالصلف الإيراني؟ الإيرانيون الذي رأينا كيف يعاملون العرب في العراق حتى الشيعة منهم، لم يروهم إلا خدماً وفئاتٍ لا حق لها حتى في شربة ماء نظيفة ولا تشريف لهم أكبر من أن يغسلوا أقدام الحجاج الإيرانيين إلى المراقد في كربلاء والنجف ويقبّلوها، ولم يدعوا في سوريا داراً إلا وفيها قتيل أو مشرّد، أمّا لبنان التي احتفل البعض فيها بعودة سعد الحريري واستقلال الرأي عن السعودية كما يزعمون كانوا «يأكلون تبن» ولا يستطيعون التعليق على كلمة الرئيس الإيراني روحاني وهو يقول إنه لا يمكن أن يتم اتخاذ أي قرار يخص لبنان من دون إيران!

نُخب العرب التي أصابها الحَوَل الفكري مصابة بعقدة استوكهولم حيث تتعلّق الضحية بجلّادها وتعشقه، فمن أساء لها لَهَجَت بذِكْره وتمسّحت بعتبات بيته، ومن أكرمها قلبت له ظهر المِجَنّ، قد كشفتهم الأحداث وفضحتهم منصات التواصل الاجتماعي والحمد لله على ذلك، فالخير لا ينبتُ في الأراضي البور، والقلوب السوداء لن تعرف معنى الحياء فضلاً عن أن تعرف أهمية شكر من أحسن إليها، نحن قد نسامح لكننا لا ننسى، فحال هذه النخب معنا كما قال ابن أبي عتبة الهذلي:

ولقد رَمَقْتُك في المجالس كلّها      فإذا وأنتَ تُعينُ من يبغيني!

Email