بعض إيحاءات «ترامب جيت»

ت + ت - الحجم الطبيعي

نجح الرئيس دونالد ترامب في إشعال هوجة من اللاعقلانية وغير المألوف في مستوى الخطابات بمختلف أنماطها، الاجتماعية والاثنية والسياسية، وربما أيضا الروحية الدينية، داخل المجتمع الأميركي. وثمة مؤشرات لا تخطئها البصيرة السليمة على عبور بعض هذه العورات حدود الولايات المتحدة، إلى الرحاب الدولية الموصولة بعلاقات وتشبيكات متعددة الأشكال مع واشنطن.

من الأمثلة التي يمكن أن تساق بهذا الخصوص، اللغة الاستفزازية؛ التي عاير بها ترامب حلفاءه وشركاءه في عالم الغرب بالدعم والحماية الأميركية، مطالباً إياهم بتسديد أنصبتهم أو حتى زيادتها في موازنة الناتو. كما يصح أن يشار إلى فجاجته في التعامل مع قادة مبرزين كأنجيلا ميركل؛ التي خاطبها ذات مناسبة بأسلوب يخلو من اللياقة وحسن التعبير، وجنوحه بالسياسة الأميركية عن السرب الدولي بعامة في معالجة قضايا لا تقبل التشظي والخلاف، كمقاومة تلوث البيئة واتفاقات التجارة العالمية.

قد يدعو للدهشة، ما شهد به ولاحظه مسؤولون أميركيون كبار، من انه في مقابل سلوكيات الاستعلاء على كثير من الحلفاء والأنصار، أظهر الرجل قدراً مبالغاً فيه من المرونة وطلاوة الحديث ولين العريكة في لقاءاته المباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتعاملاته مع موسكو عموماً. وقد اتخذ البعض من هذه المفارقة دليلاً على أن شيئاً ما يكسر خاطر الزعيم الأميركي ويستضعفه في هذا الإطار! وعند مد خطوط هذا الهاجس إلى آخرها، ذهب هؤلاء إلى أن هذا الشيء ربما يتعلق بمداخلة الروس في حملة الانتخابات؛ التي أوصلت ترامب إلى سيادة البيت الأبيض.

مع مرور الوقت وتضفير خيوط المعلومات الاستخبارية والتحريات القضائية، تبين أن حديث هذه العلاقة أقرب إلى الجد والحقيقة منه إلى التوقع والرجم بالغيب. وبدلا من أن تقود هذه النذر المقبضة في أفق مستقبله القريب في سدة الرئاسة، إلى شيء من التعقل والرشد، اذ بترامب يميل أكثر فأكثر إلى التصعيد على نحو بالغ الغرابة. فقد هدد بأن " عزله سيؤدي إلى انتفاضة شعبية وانهيار أسواق المال وسقوط البلاد في فقر مدقع"!.

لا ندري أي نوع من التفكير ساق ترامب إلى هذا الاستنتاج المفرط، فقبل أربعة وأربعين عاماً أبى سلفه ريتشارد نيكسون أن يكون موضوعاً للعزل الإكراهي، وغادر البيت الأبيض مستقيلاً. ورغم أنه كان من المخضرمين في دنيا السياسة الأميركية على صعيدي الفكر والحركة لعدة عقود خلت، إلا أنه تواضع ولم يغال في تأثير إزاحته عن الساحة إلى الحد الذي يفعله ترامب راهناً، وهو الدخيل القادم من عالم المال والأعمال بلا تاريخ سياسي يستحق التأمل.

أكثر من هذا، أن الخطأ الذي أطاح بنيكسون في ووترجيت، يبدو أقل وطأة بكثير قياساً بالخطيئة التي قد تذهب بريح ترامب. فالأول تلصص على خصومه الحزبيين في الداخل، أما الأخير فموضوع تحت سيف التعامل مع الخصم الأكبر للقطب الأميركي على قمة النظام الدولي.

بغض النظر عما ستنتهي إليه قضية (ترامب جيت)، فلن تمر هذه التجربة دون أصداء. ويكفي حتى الآن أن بطلها الأول قد أصاب بعدواه بعضاً من المحيطين به. منهم رودي جولياني السياسي البارز وعمدة نيويورك السابق؛ ومحامي ترامب راهناً، الذي بصم على توقعات موكله شبه السريالية، وادعى بأن الولايات المتحدة قد تتعرض لانتفاضة في حالة المباشرة في عزل الرئيس عن طريق الإقالة.

ترى، هل نبالغ كثيراً حين نهمس بأن مثل هذه الأقاويل والمواقف تستدعي إلى خاطرنا ما يدور من مناظرات في بعض عواصم جمهوريات الموز، التي يقرن بعض قادتها وجود الدولة والاستقرار المجتمعي من عدمهما، بوجودهم شخصياً في مقامات الزعامة ؟!..هذا لا يليق أبداً بالولايات المتحدة..

Email