مكانة الإمارات في السياسة الصينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لدولة الإمارات التي تبدأ يوم غد الخميس وتستمر لمدة ثلاثة أيام، هي في حد ذاتها حدث مهم في علاقات الصين الدولية، أما وأن يتبع هذه الزيارة توقيع اتفاقيات اقتصادية واستراتيجية فمعناه أننا أمام تطور جديد للسياسة الخارجية الصينية عموماً.

وليس من باب المبالغة إذا قلنا بأن هذه الزيارة تعد نقطة تحول كبيرة في العلاقات الصينية ــ الخليجية على اعتبار أنها تهيئ الأرضية لانفتاح أكبر في مجالات مختلفة. وتوضح التمهيدات التي سبقت الزيارة، (الإعلان على الأسبوع الصيني ــ الإماراتي، وكذلك الاتفاقيات التي أعلنتها مع الكويت قبل أسبوع) أنها لن تكون زيارة مجاملة دبلوماسية أو على الأقل أن العقلية الصينية ليست بذلك النهج.

مما لا شك فيه أن السياسة الخارجية للرئيس الصيني لها معناها في اختيار دولة الإمارات لتكون ضمن جدول زيارته، بغض النظر عن إن كانت تلبية لدعوة سابقة، لكنها بلا شك، هي إشارة صينية إلى أن المنطقة حالياً في دائرة الاهتمام الاستراتيجية الصينية، وإذا ما افترضنا أن هذه الزيارة هي بداية انطلاقة للسياسة الخارجية الصينية فإن اختيار الإعلان عنها من دولة الإمارات فهو اعتراف بالمكانة التي تتربعها في المنطقة والتي جعلتها مرجعاً في محيطها الإقليمي.

وعلى هذا الأساس نعتقد أن صناع السياسة الخارجية في دول العالم المختلفة وكذلك كبار المحللين الذين يتابعون تحركات الصين وخاصة في عهد الرئيس شي جين بينج يعرفون قدرها وأهميتها، لأن الملاحظ لدى الجميع منذ فترة مساعي الصين لتكون الدولة العظمى الثانية بعد الولايات المتحدة يدعمها فكر رئيس يتمتع برؤية يعتبرها المراقبون لا تقل عن الذين أسسوا الصين الحديثة مثل ماو تسي تونغ، ما يعني أننا بصدد مشاهدة دولة بنفوذ دولي قريب في المنطقة التي بقيت لفترة تحسب لقوى دولية أخرى.

هناك مؤشرات -لا تخطئها العين- ترسمها الصين في تنافسها الدولي على المكانة في المنطقة ربما البعض يراها مرحلية وأنها لن تدوم طويلاً، باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط تتحالف (تقليدياً) مع قوى دولية معينة، وأن الصين ليست بتلك القدرة التي تقنع دول المنطقة بأن تكون حليفة استراتيجية بإمكانها التواجد في المنطقة المليئة بالتحديات الكبيرة والتي تحتاج إلى مواقف سياسية واضحة وصريحة، ولكن في المقابل هناك من يرى هذا التحرك حقيقيا وفعليا ومبنيا على أرضية صلبة ممتدة منذ أيام الزعيم ماو تسي تونغ الذي كان يملك طموحاً دولياً لبلاده ولكن لم يكن لديه الإمكانيات.

تسلط الكثير من تحليلات مراكز البحوث الاستراتيجية في الدول الغربية الأضواء على صعود الدور الصيني المقبل في السياسة الدولية يدعمه في ذلك رؤية رئيسها الذي أوضحه في آخر مؤتمر للحزب الحاكم ويدعمها كذلك إمكانياتها الاقتصادية الكبيرة وهو ما يمثل تهديداً لمصالح الدول التقليدية في النظام الدولي.

الجميل في السياسة الخارجية الصينية أنها حتى الآن تقدم تجربتها الاقتصادية بعيداً عن الرغبة في السيطرة على القرارات السياسية لأي دولة، بمعنى آخر أنها تقدم (عولمتها) دون أن تطلب من الدول التغير وفق القيم السياسية الخاصة بها وهذا سمح لها أن تكون مرغوبة من الدول، فهي اليوم تلعب دوراً مؤثراً في اقتصادات دول مختلفة في آسيا وأفريقيا.

القيادة الإماراتية استعدت لهذه الزيارة ليس فقط إعلامياً وإنما شملت تلك الاستعدادات الأفكار والخطط الاستراتيجية للاستفادة من اللقاء السياسي الكبير لبناء علاقات طويلة المدى سواء في الاستثمارات المتبادلة باعتبار أن التبادل التجاري والسياحي موجود بين البلدين منذ بدأت تظهر الصين بأنها دولة ترتقي سلم القيادة الدولية بتدرج، فهناك مراكز تجارية صينية ورجال أعمال صينيون في الإمارات.

كحاجة استراتيجية عربية يتناسب الطموح الصيني الخارجي طردياً مع احتياجات دول المنطقة، لذا تستحق الصين بفضل قوتها السياسية والاقتصادية عالميا وحضورها الدولي انفتاحاً عربياً لتوازن الكفة السياسية مع القوى الدولية الأخرى التي تتنافس على النفوذ في المنطقة.

Email