هلسنكي.. لا توقعات كبيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحظى اللقاءات بين رؤساء الدول عادة باهتمام الدول الأخرى بدرجات متفاوتة حسب الثقل الذي يمثله هؤلاء الرؤساء في مناطقهم، وحسب طبيعة القضايا التي يتم تداولها المعلنة منها وغير المعلنة، وذلك لما لهذه اللقاءات من تداعيات آنية أو مستقبلية على التوازنات السياسية القائمة. إلا أن اللقاء بين الرئيسين الأميركي والروسي يحظى بترقب واهتمام دولي من منطلق أنهما يمثلان الدولتين الأقوى عسكرياً اللتين تمتلكان وسائل تمرير أو عرقلة المشاريع التي تقرها الأسرة الدولية ممثلة بمجلس الأمن الدولي، فهما قطبان أكثر ميلاً للتنافر لا التقارب على مستوى السياسات في المحافل الدولية، كما كان الحال بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إبان حقبة الحرب الباردة.

سبق أن التقى الرئيسان ترامب وبوتين أكثر من مرة على هامش قمم دولية، لقائمهما في العاصمة الفنلندية هلسنكي في السادس عشر من يوليو الجاري هو اللقاء الرسمي الأول بينهما منذ صعود الرئيس ترامب لسدة الحكم، ويأتي زمنياً بعد مشاركة الرئيس الأميركي في قمة الناتو في الحادي والثاني عشر من يوليو وبُعيد زيارته بريطانيا.

الرئيسان على بينة بأن العلاقات بين بلديهما هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الباردة، وليس من المتوقع من خلال المعطيات التي أمامنا، ومن الميزات التي يتمتع بها الرئيسان حدوث اختراق، فالرئيس الأميركي بفرديته وتمسكه بمنطق الطرف الأقوى الذي لا يتقبل معارضة، والرئيس الروسي المسكون بهاجس تأكيد دور بلاده عالمياً عقبتان أمام ذلك. كما أن ما يريده الرئيس الروسي هو ما تريده روسيا، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة للرئيس الأميركي فما يريده قد يصطدم بإرادة المؤسسات الصلدة التي تصنع السياسات الخارجية في واشنطن.

على الرغم من الاهتمام الكبير بهذا اللقاء، والذي سيسبقه لقاء تحضيري بين وزيري خارجية البلدين إلا أن سقف التوقعات لمخرجاته ليس مرتفعاً على الإطلاق، فهناك ثمة ملفات معقدة ليس من المحتمل التطرق إليها في هذا اللقاء إذ لم ترد مقدمات توحي بذلك في التصريحات التي أدلى بها مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتن بعد لقائه الرئيس بوتين في موسكو، حيث أشار إلى أن القمة قد تبحث موضوع معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى وموضوع عودة روسيا إلى مجموعة السبع الكبار.

فواشنطن لا تزال غير مستعدة لإبداء بعض التساهل في ملف العقوبات المفروضة على موسكو غير المستعدة للنقاش حول قضايا حسمتها لصالحها وأبرزها القضية الأوكرانية وشبه جزيرة القرم ولا في الملف الدبلوماسي الذي شهد توتراً خطيراً إثر الطرد المتبادل لعدد كبير من الدبلوماسيين في العام الماضي.

أما ملف التسلح المرتبط بالأمن القومي للبلدين فسيكون هو الآخر عصياً في ضوء الزيادة الملحوظة في ميزانية البنتاغون التي أحدثتها إدارة ترامب والاستعراضات العسكرية الضخمة التي قابلتها في موسكو وتصريح الرئيس بوتين بحيازة بلاده على أسلحة تتفوق بسنوات وربما بعقود على نظيرتها الأميركية.

إلا أنه من جانب آخر هناك قضايا أصبحت ناضجة وقابلة للتسوية والإغلاق وفي مقدمتها الملف السوري، فواشنطن بصدد التسليم بالموقف الروسي وتجميد الحديث عن مستقبل الرئيس السوري وترك موسكو تتولى معالجة ذلك. فهي غير معنية في القتال الذي يدور في الجنوب السوري وتتهيأ لسحب قواتها مع مراعاة تعهد موسكو بالعمل على إخراج إيران وميليشياتها بالكامل من الأراضي السورية.

والحقيقة أن التشدد الأميركي في الخروج الإيراني من سوريا ليس لضمان أمن إسرائيل فحسب، كما تروج وسائل الإعلام، فاستراتيجية واشنطن الجديدة في المنطقة لا تقتصر على تأمين ذلك ولا تقف عنده بل تتجاوزه نحو قضايا تمس هيبة الولايات المتحدة كقوة عظمى، فهي لا تسمح لطهران بتحدي ذلك والاستمرار بسياساتها التوسعية في المنطقة وفرض معادلة اتزان تسمح لطهران فرض إملاءاتها.

روسيا من جانبها غير مسرورة بوجود إيراني إلى جانبها في سوريا يشاطرها النفوذ وبطرائق منفلتة بعض الأحيان عبر ميليشياتها، فهي تفضل التعامل مع الملف السوري من خلال النظام نفسه، وقد مهدت لذلك بالطلب من إيران المغادرة مع ميليشياتها، وعبرت عن جديتها في ذلك بعدم الاعتراض على الهجمات الإسرائيلية المتكررة على أهداف تعتبرها إسرائيل مواقع إيرانية في الأراضي السورية.

فالحضور الروسي الطويل الأمد في سوريا يتطلب علاقات قوية وتفاهمات دائمية بين موسكو وتل أبيب، فالعلاقات بينهما في طريقها لأن تصبح جزءاً من معادلات التوازن في الشرق الأوسط بقبول أميركي.

* كاتب عراقي

Email