النكسة من وجهة نظر عربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمر الذكرى الواحدة والخمسين على نكسة 1967، والتي كانت من أكبر الأحداث التي أثرت على النظام الإقليمي العربي. كما أن تأثير الحرب على العالم العربي لا تزال أصداؤه ترن في العالم العربي، وخاصة دول المواجهة والتي خسرت أراضي بعضها يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى يومنا هذا.

ومن المهم معرفة ما هي وجهة النظر العربية لهذا الخطب الجلل، والذي كان له أبلغ التأثير على الوطن العربي سياسياً واجتماعياً وثقافياً. ومن المهم فهم وجهة النظر العربية من خلال الذين شاركوا وانخرطوا في أجواء الحرب الكارثية أو كانوا شاهدين عليها.

وفي كتاب تحت عنوان «الانفجار». يتناول الأحداث المتسارعة في سياقها التاريخي المحلي والإقليمي والدولي، جاء فيه أن حرب 1967 حصل في سياق الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وبسبب امتلاك السلاح النووي من قبل الطرفين فإن الصراع بينهما تراجع إلى صراع بالوكالة بين حلفائهم في مختلف أقاليم العالم. وقد كان لتورط الولايات المتحدة في حرب ضروس في فيتنام، والذي بدأ يستنزف القوات الأميركية أثر بالغ على رؤية واشنطن للصراع في الشرق الأوسط.

وعلى المستوى الإقليمي، كان الصراع الإسرائيلي مع بقية الدول العربية وخاصة مصر بقيادة جمال عبد الناصر، دافعاً لقيام الحرب لجهة إزاحة التهديد الذي تمثله مصر وتحجيم ثقلها العربي وإسقاط النظام الناصري. ولكن الجائزة من الحرب بالنسبة لإسرائيل هي الاستيلاء على الضفة الغربية والقدس.

وقد تمخض عن هذا الوضع، أي الطموح الدولي لإلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفييتي والاستيلاء على فلسطين التاريخية، تكالب للمصالح والاستراتيجيات بين الدولة العظمى، الولايات المتحدة، والقوة الإقليمية المتمثلة بإسرائيل. ويرى البعض أنه كان هناك تواطؤ بين واشنطن وتل أبيب في حرب يونيو أو النكسة.

ويرى البعض أن التواطؤ الأميركي كان من نوع مختلف عن مؤامرة 1956 والذي اشتركت كل من فرنسا وبريطانيا بشكل مباشر مع إسرائيل في هجوم ثلاثي فيما عرف بأزمة السويس. فالتواطؤ الأميركي كان من نوع آخر لا يقوم على تدخل مباشر من قبل الولايات المتحدة بقدر ما كان توفير الضمانات وتهيئة الأجواء للضربة العسكرية الإسرائيلية.

وقد أطلق على العملية «اصطياد الديك الرومي». ولكن الاتفاق الأميركي - الإسرائيلي يتعلق بمصر فحسب، ولا يبدو أن الضفة الغربية والقدس كانت جزءاً من الاستهداف. والسبب يعود إلى طمأنة واشنطن للأردن بمنع أية هجوم عليه من قبل إسرائيل. بيد أن إسرائيل كانت لها أطماع في التوسع والحصول على أراضي تعتبرها أراضي تاريخية وجزءاً من أرض إسرائيل. إضافة إلى المكاسب الجيواستراتيجية التي يطمح بها القادة العسكريون، والذين أطبقوا سيطرتهم على الحكومة حينها.

والتواطؤ الأميركي لم يكن بالاتفاق والتفاهمات مع تل أبيب، بل تجاوزها إلى اتخاذ خطوات عملية لحماية إسرائيل من أية مخاطرة عسكرية قد تحدث بسبب الضربة المزمعة على السلاح الجوي المصري. فبالإضافة إلى المعلومات الاستخباراتية الجمة التي منحتها واشنطن لتل أبيب، فإن الولايات المتحدة أرسلت الأسطول السادس إلى شرق المتوسط.

ويعود السبب للتواجد البحري، حسب التحليلات، أن الولايات المتحدة أرادت منح إسرائيل أكبر قدر من التأمين في حالة حدوث أية أخطاء في الخطة، وبالتالي تتعرض إسرائيل إلى هجوم من قبل مصر والدول العربية. وعلى هذا الأساس ستقوم القوات المتواجدة بنشر مظلة جوية لحماية أجواء إسرائيل، وإنزال عسكري لحماية التجمعات السكنية الكبرى.

والتعليل الثاني حول تواجد الأسطول السادس، وهو بلا شك تحليل منطقي وجديد، وهو أنه عندما تقوم الطائرات الإسرائيلية بغاراتها سيكون هناك فجوة من الزمن يمكن للطائرات المصرية أن تقوم بهجوم على المطارات والقواعد الجوية وتدميرها من قبل القوات الجوية المصرية أو السورية بالتالي سيصعب على الطائرات الجوية النزول في قواعدها، وستظل حبيسة الأجواء وتتعطل القوة الجوية الإسرائيلية.

بينما تستطيع الطائرات المصرية، حتى في حالة نجاح الطيران الإسرائيلي من قصف المدرجات المصرية، من النزول في مطارات عربية مجاورة. وتواجد الأسطول السادس سيمنح الطائرات الإسرائيلية مهبطاً في حالة تعطلت المطارات الإسرائيلية. ورغم أن هذا التحليل مقبول إلا أنه لا يقدم وثيقة تدعم هذا التحليل. ولكن وزير الدفاع حينها، روبرت مكنمارا، شهد في التاريخ الشفهي لمكتبة الرئيس ليندن جونسون، أن الأسطول السادس كان متواجداً في شرق المتوسط قبل اندلاع الأعمال القتالية للدفاع عن إسرائيل.

ويشير المحللون إلى حادثة مهمة حصلت أثناء الحرب، والتي تتعلق بسفينة التجسس لبيرتي التابعة للبحرية الأميركية، والتي هاجمتها القوات الإسرائيلية. ويعتقد أن إسرائيل هاجمت السفينة لأنها كانت تجمع معلومات عن تقدم الجيش الإسرائيلي في الضفة بغية احتلالها. وهو مخالف للاتفاق الأميركي - الإسرائيلي.

كانت حرب 1967 نقطة فارقة في التاريخ العربي الحديث تستحق مزيداً من الدراسات لكشف كثير مما حدث فيها وحولها.

Email