حل خوارزمي للثرثرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تخيل أن تفاجئ ساعة معصم متحاورين، فتقول لأكثرهم ثرثرة: «اخرس» أو «أكرمنا بسكوتك»، فقد انتاب جلساءك السأمُ من حديثك الممل. هذا بالفعل ما يعكف علماء من معهد MIT العريق في التكنولوجيا على تطويره، عبر ساعة يد تقيس مزاجنا في الحوار، ومزاج من نحدثهم، بتسجيلها لنبرات صوت المستمعين، والمتحدث عبر مجسّات صوتية، وأخرى تقيس حرارة جسد المتحدث، وضغط دمه وتدفقه، فضلاً عن حركة جسمه، حسبما قرأت في «التايمز» اللندنية.

والغريب أن معاناة العرب في الثرثرة وانتشار الثقافة الشفهية، قد وجد لها الغرب حلاً لدى جدّنا الخوارزمي، حيث استخدم هؤلاء العلماء في ولاية بوسطن الأميركية، المعادلات الخوارزمية لقياس ذلك كله، وربطه بالحركة، ليس هذا فحسب، بل يمكن للتقنية الجديدة أن تعرف ما إذا كان شعور محدثنا عادياً أو سعيداً أو حزيناً، أو مضطرباً، وهو ما أراه تطوراً كبيراً في قياس الحوارات. ذلك بأن النسخة الجديدة منها، يمكنها عبر ذكائها الصناعي، التعرف إلى المتحدث نفسه، ما إذا كان حديثه غير ملائم "awkward"، أو مملاً، وسوف يصبح تحميله ممكناً عبر تطبيقات الهواتف.

معضلتنا مع الثرثرة، أن صاحبها لا يشعر بحجم معاناة انفراده بالحديث على حساب الآخرين، لا سيما إذا كان يتحدث عن نفسه. والثرثرة في حدود المعقول والتنفيس عن مكنونات النفس، مطلوبة، لكن حينما تطغى على فرصة الآخرين في التعبير عن أنفسهم، تصبح مشكلة تدفع الناس إلى النفور من الثرثار. لا سيما في فرق العمل، حيث يهدر أوقاتهم ويبطئ إنتاجيتهم. والأمر مرتبط بكلا الجنسين.

وقد دفع الفضول علماء من جامعة براون، للتأكد مما إذا كانت ثرثرة المرأة تؤثر في إنتاجيتها في المنزل وفي العمل؟، فتوصلوا بعد عامين من الدراسة المطوّلة، إلى أن المرأة تنتج أكثر في المنزل وفي العمل، إن هي قللت من تحدثها، وهو ما عدّه الباحثون «نتيجة مدهشة للغاية»، لأن هذا الاعتقاد، حسب قولهم، كان شائعاً بين الناس «لكنه لم يكن قبل هذه الدراسة مبنياً على حقائق علمية».

وقد جمع هؤلاء الباحثون مجموعة من النساء المتطوعات، ووضعوا في أفواههن قطعة صغيرة (Mouthpiece) لمنعهن من التحدث، فتوصلوا لاحقاً إلى أن النساء أنجزن أعمالهن المنزلية بنسبة 35 في المئة أكثر من المعتاد، وبنسبة 58 في المئة للمهام الوظيفية، مقارنة بالنساء المشاركات اللاتي لم يستخدمن هذه القطعة الفمية، حسبما نشر في مجلة نيو إنغلاند الطبية. ليس هذا فحسب، بل حتى الموظفات اللاتي لم يشاركن في الدراسة، ارتفعت إنتاجيتهن في العمل، بنسبة 85 في المئة، وربما حفزتهن الأجواء الهادئة على الإنتاج.

يمكن القول، إن الثرثرة الزائدة، بصورة عامة، هي حالة نفسية شائكة، تفسد الحوار، وتشتت تركيز المستمعين، ويمكن أن يخفف صاحبها من تداعياتها، إن هو مرّن نفسه على تقليل الكلام تدريجياً، ومحاولة منح الآخرين فرصة اختيار «أجندة الحوار». غير أن البعض لا يحاولون تغيير أنفسهم قيد أنملة. من هؤلاء يخرج معشر الثرثارين ويتكاثرون، وسيبقى حالهم مثل حال ذلك الثرثار «تسأله عن الوقت، فيشرح لك كيف صُنعت الساعة».

Email