الغفوة المقدسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كاد أن يلقى صديقي حتفه حينما باغتته غفوة خاطفة في منعطف مرتفع على الطريق السريع أدى إلى انقلاب مركبته مرات عدة، نجا منها بأعجوبة ربطه لحزام الأمان.

علاج الغفوة المباغتة بالغفوة المريحة على طريقة الصينيين ممكن، لكنها أحياناً كإعادة شحن مؤقتة لبطارية الهاتف، قد توصلك إلى وجهتك، إن كنت محظوظاً. ولذلك تحث قوانين بريطانيا الصارمة قائد المركبة على مغادرة الطريق فوراً عبر أقرب مخرج ليستريح ويستعيد حيويته ونشاطه.

وحينما تداهمنا الغفوة في مواقع خطيرة تكون تداعياتها أكبر مثل تلك الورطة التي وقع فيها مساعد قائد الطائرة حينما عاد من دورة المياه فلم يتمكن من فتح الباب ليجد أن قائدها قد غطّ في سبات عميق، وفق تقرير هيئة السلامة الهولندية. وكذلك القاضي الذي اضطر إلى تقديم استقالته بعد ضغوط مورست عليه في أعقاب فيديو قصير بث في الإنترنت وشاهده مئات الآلاف وهو نائم خلال محاكمة جنائية مهمة.

ولذلك لا غرابة حينما نرى من يقدس القيلولة تحاشياً لتلك المواقف. لكن السؤال الجوهري لماذا تنتاب الناس الرغبة الجامحة بأخذ قيلولة. الإجابة تكمن في ما يسميه العلماء بضعف جودة النوم. فالأمر ليس مرتبطاً بالضرورة بعدد الساعات بقدر جودتها.

فَلَو نام المرء ثماني ساعات وكلما وصل لمرحلة النوم العميق أيقظه شخص أو أصوات مزعجة فسيفسد عليه نومه ويتعكّر مزاجه. ذلك أن الإنسان يمر بنحو أربع مراحل طوال مدة نومه. تبدأ مرحلة النوم العميق، كما أخبرني خبير النوم السعودي الشهير د. أحمد باهمام، «في المرحلتين الثالثة والرابعة، وتبدأ عادة بعد تسعين دقيقة من نوم الإنسان، وتعد هاتان المرحلتان مهمتين لاستعادة الجسم نشاطه، ونقصهما ينتج عنه النوم الخفيف غير المريح والتعب والإجهاد خلال النهار». وهذا ما يفسر سبب شعور بعض الموظفين بالنعاس أو الرغبة في النوم أثناء ساعات العمل.

وهناك علاقة بين النوم العميق والمقدرة على الإبداع؛ إذ أظهرت دراسة في جامعة كاليفورنيا أن «النوم العميق والوصول إلى مرحلة الأحلام من شأنه تخفيف الضغوط والمساعدة في تصفية الذهن». فقد أجاب مجموعة من المشاركين في الدراسة، الذين نالوا قسطاً كافياً من النوم، بإجابات أفضل عن أسئلة اختبارات الباحثين، مقارنة بغيرهم ممن حرموا من النوم العميق. «ورجح الخبراء أن يكون الوصول إلى هذه المرحلة من النوم يساعد المخ في تنشيط بعض المعلومات الموجودة بالفعل في الذاكرة» بحسب الدراسة.

غير أن المرء إن كان مضطراً يمكنه أخذ غفوة اليابانيين «إينيموري» وهي محاولة أحدهم النوم في أماكن العمل والمواصلات والمدارس وقبيل الاجتماعات. وهي لا تعتبر مؤشراً على الكسل، كما في ثقافتنا، بل مؤشر على أن الفرد يبذل ما في وسعه ليقدم أعلى إنتاجية ممكنة.

أحياناً تصبح الغفوة لا مفر منها، فحتى رواد الفضاء، كما قالت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) تبين أنها تجدد انتباههم أو يقظتهم (alertness) وتعزز الأداء وتقلل الأخطاء والحوادث. إذ اتضح في دراستها على عينة من جنود الجيش ورواد الفضاء أن القيلولة لمدة أربعين دقيقة قد أسهمت فعلياً في تطوير الأداء بنسبة 34 في المائة. وكانت المفاجأة أن الانتباه قد بلغ نسبة مئة في المائة، وفق موقع منظمة النوم الوطنية NSF.

ولذا لا عجب حينما نرى من يقدس غفوة القيلولة في يومياته، خصوصاً في نهار رمضان.

Email