عودة العراق ضرورة عربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت 12 مايو الجاري وتقدم المرشحين المنتقدين للتدخلات الإيرانية في القرار العراقي، بدأ حديث المراقبين عن أنها عملية تمهيد لعودة العراق الكاملة إلى الشعب العراقي بكل أطيافه وإلى إقليمه العربي، الأمر الذي من شأنه إذا تحقق أن يحدث تحولات وطنية وجيواستراتيجية كبيرة في العراق والمنطقة.

علينا الاعتراف بأن العراق (أحد أضلاع النظام العربي قبل 2003) يعاني «التشوه» في الداخل بسبب الفساد السياسي لقادته، نتيجة لوجودهم على رأس الهرم السياسي، وهم يخدمون الملفات الإقليمية، ويعاني، أيضاً، تشوهاً في إقليمه العربي نتيجة للشرخ الذي أحدثته سياسات قام بها نظام صدام حسين أدت إلى إحداث شرخ في مفهوم الأمن القومي العربي، خاصة بعد غزو الكويت، وفي الحالتين أحدث الأمر فراغاً سياسياً استغلته إيران سواء في التدخل في الشأن العراقي أو في تعميق التشويه مع العرب من خلال تعزيز الطائفية على الوطنية العراقية والعروبية.

قد يكون من المبكر الحكم على عودة العراق عربياً بعد الانتخابات البرلمانية، ولكن المؤشرات تقول إن هناك رغبة عراقية ممثلة في فشل كل المرشحين الذين لم يوضحوا موقفهم من التدخلات الخارجية في القرار السياسي العراقي مثل: نوري المالكي وهادي العامري وحتى حيدر العبادي (الذي لم يعلن خروجه من حزب الدعوة المدعوم من إيران حتى الآن) نفسه الذي جاء ثالثاً بعد كتلة «سائرون» التي حصلت على 54 مقعداً، وبعد «تحالف الفتح» بقيادة العامري الذي حصل على 47 مقعداً، ولكن الشعب العراقي يسعى لفك ارتباط بلاده بالاستراتيجية الإيرانية من خلال نتائج الانتخابات، وهذه ليست فقط رغبة عراقية، ولكنها رغبة عربية، بل ودولية أيضاً.

بلا شك فإن عودة العراق إلى لعب دوره الإقليمي مرهون باستقرار الأوضاع الداخلية والنهوض الاقتصادي والتنموي، وتخليه عما يقسم الوحدة العراقية، وخاصة «النفس الطائفي» العالي. لكن للأسف حتى الآن لا تبدو الصورة الداخلية بذلك الوضوح، حيث لن يكون تشكيل الحكومة بتلك السهولة، وخاصة أن فشل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في تكوين جبهة موالية لإيران في العراق لا يعني انتهاء الدور الإيراني، حيث لن يستسلم بسهولة، بل سيعمل على التخريب.

إذا نجح قادة العراق الحاليون في تحقيق رغبة الشعب المتمثلة في عودة الهوية الوطنية العراقية بعيداً عن التقسيمات الطائفية والعرقية فإن إمكانية انتعاش آمال العرب في استعادة حضوره الإقليمي يطمئن العرب بكبح تدخل الآخرين في الشأن العربي من أي باب، بعدما كثرت خلال الفترة من 2003 إلى اليوم التحالفات المصلحية إقليمياً ودولياً ضد العرب خلال هذه الفترة، الأمر الذي أحدث خللاً.

إحدى نتائج هذه الانتخابات «المنتظرة» وهي ما زالت حتى الآن في «وضع الضبابية» هي عودة الروح العربية إلى العراق التي شوهتها ممارسات الفكر الفارسي. وقد عملت دول مجلس التعاون الخليجي منذ العام الماضي على مساعدة القوى السياسية العراقية ذات النفس العروبي وعلى رأسهم مقتدى الصدر الذي استقبلته كل من دولة الإمارات والسعودية من أجل عودة العراق إلى محيطه الطبيعي، فهذه النتيجة لن تكون مرحبا بها من جانب القوى الإقليمية الأخرى، ليس لأن العراق سيستعيد دوره ولكن لأنه يرجح كفة العرب في الملفات الإقليمية الحالية وبالتالي يفتح الباب لدور عربي في «حلحلة» القضايا العربية المفتوحة.

لهذا فإن رهان العراقيين قائم على تعزيز الانفتاح العربي، وخاصة الخليجي، على القوى السياسية العراقية في تشكيل حكومة وطنية، فالكل يدافع عن مصالحه هناك، سواء الولايات المتحدة أو تركيا أو إيران؛ لأن عودة العراق واستقراره هما الضمان الحقيقي لاستقرار المنطقة، وكذلك هما السبيل لكبح مغامرات النظام الإيراني السياسية، فالعراق معروف أنه «صمام الأمان» جغرافياً وتاريخياً للعرب من الأطماع الفارسية.

أختم بنقطتين حول نتائج هذه الانتخابات، النقطة الأولى: أن حصة رفض التدخل الإيراني في الشأن العراقي تعززت، وبدا واضحاً أن الرغبة في عودة الروح الوطنية والعربية للدولة العراقية هي خيار الشعب العراقي. أما النقطة الثانية: فإنه لحين اتضاح الصورة الكاملة لمستقبل العراق (تشكيل الحكومة خلال تسعين يوماً) سيمر العراق بمخاض سياسي عسير، لذا لا ينبغي أن يبقى الخليجيون مجرد مراقبين فقط لما يحدث هناك في سباق تنافس القوى السياسية الفائزة في تشكيل الحكومة الجديدة.

Email